ابداعات

العلاقات السامة

 

 

بقلم: شيماء_حسانين”رحيل”

 

في إحدى المرات كنتُ في صدد التحدث عن العلاقات السامة وتأثيرها على نفسية الفرد، وكيف يمكن لشخصٍ ما أن يجعل شخصًا أخر عالقًا داخل دوامة اللوم والندم؟!

 

كيف يمكن أن تؤول السبل لهذا الأمر الشنيع؟!

وكيف للبشر أن يتمادوا باللعب بمشاعر غيرهم؟!

ولكنني لوهلةٍ توقفت، لأرى ما في حياتي أنا من علاقات أثرت عليّ بالسلب، وجعلتني أعاني داخل دائرة مفرغة من الحيرة والألم.

 

ولكنني لم أجد، أو ربما كان هناك بعض الأشخاص، ولكن لم يكن وجودهم بالشيء القوي الذي يجعلني إثر رحيلهم أحزن، أو يكون خذلانهم لي بالأمر الجلل.

 

ثم بينما أنا شاردة في ذاكرتي، وردتني رسالة على بريدي الألكتروني، وهذا كثيرًا ما يحدث، ولكن هذه المرة كان الأمر مختلف.

 

كان في بداية البريد رجاء، وهذا ما دفعني لقراءة فحواه، فربما تكون حقًا رسالة من شخصٍ يحتاج مساعدتي، فتحتُ الرسالة وبدأتُ في قرأتها.

 

” السلام عليكي سيدتي، أنا شام وهذا اسمي وكل ما أملكه في هذه الحياة، فقدتُ أبواي في الحرب مثلما حدث مع الكثير من أقراني، ثم عانيتُ كثيرًا لأصل إلى بر الأمان، بعيدًا عن الدمار والخراب الذي أودى بكل شيء أحبه وأمتلكه، مرت السنوات وأنا ادرس وأعمل، وأصبح لدي سكني الخاص، ومع الأيام افتتحت مطعمي الخاص، في بلدة أوربية لا داعي لذكر اسمها الآن، ثم في إحدى الأيام بدأ أحد الشباب العرب يتردد على مطعمي بشكل يومي، لم أُلقى بالًا للأمر، ولكن هذا الشاب كان في كل مرة يطلب مقابلتي، لكي يتحدث عن الطعام الذي تناوله اليوم من مطعمنا، ومع الوقت تطور الأمر إلى أحاديث أخرى، مثل عمله ودراسته وكيف أتى إلى هنا؟!

ولمَ هو هنا؟!

ومع الأيام أضحت العلاقة بيننا صداقة، أصبحنا نتبادل الأحاديث ليست في المطعم فقط بل خارجه أيضًا، ثم مع الوقت بدأ قلبي يتعلق بهذا “رام”، لم أجرب الحبّ يومًا، فنحن فتيات الحروب، لم نرى الورود وهي تتفتح في ربيع الحب، ولم نرى الطيور وهي تغرد في سماء العشق، بدأت الفراشات تتراقص بداخل صدري، ويعلو صوت غنائها يومًا بعد يوم، حين وجدتُ نفسي منجرفة في هذا الأمر توقفت، بدأتُ أتهرب منه بالكثير من الذرائع، يومًا لدي فحوصات في الجامعة، ويومًا مريضة لا يمكنني الحديث، وأيام أخرى مرهقة من العمل، لاحظ تهربي هذا، وبدأ يتحدث إليّ بأنه أيضًا، تعجبتُ فماذا أنتَ أيضًا؟!

أخبرني أنا أيضًا أحبك وتعلقت بكِ يا شام، على الرغم من سعادة قلبي، ولكن الأمر كان يؤلمني، وكنتُ أشعر أن هذه سعادة لحظية، ولكنه أنكر لي هذا، وبدأ مع الوقت يزداد الحب بداخل قلبي، واضحى يحقق لي كل ما يشعرني بالأمان، تخرجنا وتزوجنا، وكانت أيامنا مليئة بالسعادة، وكنتُ دائمًا أحمد الله على وجوده، ثم بعد شهرين من زواجنا تبدل، أضحى يتأخر خارج البيت، وبدأ يتجه إلى المخدرات وألعاب الورق، بدأت الديون تتراكم عليه، وبدأت معاملته لي تزداد عنفًا، في أحد الليالي المظلمة من شهر أيلول عاد وقلب البيت رأسًا على عقب يبحث عن أموال، حاولت مرات عدة أن اصلحه ولكن تطور الأمر إلى ضربه لي، وإلقائه لي خارج البيت، حينها بكيتُ كثيرًا، فقد قضيتُ معه سنتين من أكثر السنوات في حياتي إيلامًا، وأنا أخبر نفسي أنه سيعود لسابق عهده، أنه سيتغير، ثم مع الوقت اكتشفت أنه كان هكذا منذ البداية، وأنه كان يتقرب إلي من أجل بيتي ومطعمي، الديون لم تكن منذ اليوم، بل هي من قبل أن يعرفني، في البداية ساعدته لأنه كان يرجوني، وأنه لا يريد أن يدخل إلى السجن، وأنا كالحمقاء، أعنته وكنتُ جواره، وآويته في بيتي ومطعمي، ولكنه ضرب بكل هذا عرض الحائط، لم أدرك مدى حماقتي وغباء قلبي إلا حين خسارتي لكل شيء، حين عدتُ يومًا ورأيتُ خيانته لي، الجميع أخبرني بحقيقته ولكنني مع ذلك لم أشا أن أسمع، وأغمضتُ عيناي عن أخطائه، حتى آل بي الأمر في المشفى بين الحياة والموت من كثرة الجروح التى كست جسدي، وكاد أن يؤدي بحياتي، أيامي معه كانت كالجحيم، كنتُ أتجرع السُم في كلماته المعسولة كل يوم، لم أرَ حقيقته سوى الآن، الحبّ ضعف، والمخادعون يدركون هذا جيدًا لذلك يستغلونه، الحبّ ذلك الشيء الذي طالما آمنتُ به قد خذلني، قد جعلني أعاني، وأتجرع الآلام كل يوم، خرجتُ من المشفى وطردته من بيتي ومطعمي، وحينها وقفتُ مع ذاتي أنه لا مجال للحب في حياتي، ولن أفتح هذا الباب مرة أخرى، حاول في الكثير من المرات أن يجعلني أعود إليه، ولكن لم يعد في مقدرتي أن استمر في الجحيم، من قال أنه سيتغير لأجل أنه يُحبك فقد كذب، لا تصدقوا معسول الكلام، بل صدقوا من حبه يظهر في خوفه من فقدك، في مواقف عديدة تجمعكم، لا تتركوا أنفسكم في مهب الريح، بل تجنبوا الوقوف في وجهه، وكونوا في أمان لأجلكم، لقد تعافيت من هذا المرض الذي جعل روحي تتآكل، وفتك بقلبي، تعافيتُ تمامًا وهذا ما أردتُ أن أشاركه معكِ، شكرًا لكِ لأنكِ كنتِ شعاع الضوء الذي أرشدني في الظلمة الحالكة التي أحاطت بي، أتمنى أن أراكِ يومًا ما.

شام.”.

 

قرأتُ رسالتها والدموع تنهمر من مُقلتاي، حقًا العلاقات السامة كالورم الخبيث يجب استئصاله قبل أن يؤدي إلى هلاك الجسد والروح، هي امرأة قوية.

 

 حاربت بمفردها هذا الجبان الغادر، واستطاعت أن تتخلص من السُم الذي تجرعته بنفسها، وأنا أيضًا أتمنى أن أراكِ يومًا يا شام.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!