✍️ يوحنا عزمي
عندما نتكلم عن إستراتيجية الرئبس ترامب المقبلة تجاه إيران ونحاول ان نتصور السيناريو الذي سوف ينطلق منه في إدارته لأزمة علاقاته معها فور دخوله إلي البيت الأبيض ، فإنه يجب ان نضع في اعتبارنا انه ليس رئيسا أمريكيا عاديا ، وانما هو رئيس عنيد ومقاتل ومغرور من طراز خاص ، وان هذه هي ابرز سمات شخصيته بما لذلك من تأثير قوي ومباشر علي سياساته ومواقفه وقراراته.
بداية استطيع ان اقول ان الرئيس ترامب لن يعود تحت اي ظرف كما تشترط عليه إيران ، إلي إتفاق 2015 النووي الذي انسحب منه في مايو 2018 بقرار منفرد خلال فترة رئاسته الأولي لاعتراضه عليه ورفضه له جملة وتفصيلا ، ومن غير المنطقي او المتصور ان يأتي بعد سبع سنوات ليغير موقفه بعد ان قطع البرنامج النووي الإيراني شوطا كبيرا للأمام وبعد ان اصبح موضع قلق دولي كبير.
بل ان هذا التطور ، وكما اتوقع ، سوف يزيده تشددا وتصلبا واصرارا علي تفكيك هذا البرنامج النووي وتدميره ان لم يكن بالحرب ، فبالشروط والاملاءات وفرض التنازلات من موقع القوة والضغط والتهديد .. وهي تنازلات قد تصل في حال رضوخ إيران لها إلي حد استسلامها له ، وفقدانها لسيطرتها علي برنامجها النووي واهتزاز صورتها وتراجع مكانتها إقليميا ودوليا ..
وهو ما سوف تكون له تداعياته السياسية والأمنية المدمرة بالنسبة لها ، كما سوف يحرق لها آخر اوراقها المهمة التي ظلت ولسنوات طويلة تساوم بها .. واعتقد انها لن تقبل بهذه الشروط والاملاءات الأمريكية المجحفة والتعجيزية ، لانها تعني انتحارها سياسيا ، وخسارة فادحة وبلا حدود لكل ما ظلت تراهن وتبني توقعاتها عليه.
وبرفضها لشروطه ، سوف يتحول ترامب من الخيار السلمي الذي بدأ به حتي لا يكون متناقضا مع نفسه أمام العالم، إلي الخيار العسكري الذي أتصور ان خططه جاهزة للتنفيذ وتنتظر قراره بالموافقة عليها.
وهنا قد يذهب ترامب إلي ضرب إيران بقوته العسكرية المنفردة او بمشاركة إسرائيل معه إذا ما كان لمشاركتها معه تأثير عسكري او استراتيجي من نوع او آخر .
فهذا الأمر سوف يكون القرار النهائي فيه متروكا له .. ومثل هذه الضربة العسكرية الأمريكية العنيفة المتوقعة لإيران ، سوف يكون هدفها بالأساس هو تدمير ما يمكن تدميره من مكونات برنامجها النووي وغيرها من الأهداف الإستراتيجية الحيوية ، وربما الانطلاق منها إلي محاولة قلب نظام الحكم الإيراني نفسه بسيناريوهات وترتيبات جاهزة اسوة بما حدث في سوريا ، سواء تم ذلك من خلال قوي المعارضة للنظام في الداخل او بغير ذلك من الخطط والسيناريوهات الأمريكية والإسرائيلية ، وذلك باعتبار ان هذا النظام هو المحرك والمحرض علي كل تلك القلاقل والاضطرابات في المنطقة ولأنه هو من يقف وراء اعتداءات الحوثيين في اليمن علي إسرائيل وعلي قطع أمريكا الحربية في البحر الأحمر ، وتهديدهم لحرية وسلامة الملاحة العالمية في الممرات المائية الدولية في هذه المنطقة من العالم.
ويعتقد الرئيس ترامب ان قطع رأس هذا الخطر علي أمن أمريكا وأمن شركائها الاقليميين ، والمتمثل في إيران ، سوف يتبعه تلقائيا خطر ما تبقي من اذرعها في هذه المنطقة ، والتي لم تعد كثيرة بعد قطعها في غزة ولبنان وسوريا وشلها وتعطيلها في العراق تحت ضغط إدارة بايدن ومعها إسرائيل عليها ، وهو ما اجبرها علي التراجع والتوقف ، وافقدها فاعليتها كورقة ضغط إيرانية.
الرئيس ترامب يعرف حقيقة ما هو مقبل عليه مع إيران خلال الفترة المقبلة ، وما يحفزه اكثر علي مهاجمتها وتوجيه ضربة عسكرية ساحقة اليها ، هو تاكده ان إيران هي الآن في اضعف حالاتها العسكرية والسياسية والمعنوية ، وفي ذروة تراجع دورها وانحسار نفوذها علي الصعيدين الإقليمي والدولي ، وانها تعاني بعد خسائرها الفادحة والمتلاحقة في لبنان وسوريا من شعور رهيب بالصدمة والإحباط لم يسبق له مثيل بعد ان انهار مشروعها الإقليمي وخسرت كل رهاناتها التي ظلت تحارب من اجلها طيلة عقود وعقود.
وان الداخل الإيراني ربما يكون هو الآخر في حالة غير مسبوقة من التوتر والسخط والغليان بسبب سياسات نظامه التي كلفته الكثير واوصلته في النهاية إلي هذه النتائج المحبطة والمؤسفة. ويبقي تصدع الداخل الإيراني وغموض اوضاعه السياسية وما يحتمل ان تكون عليه ردود افعاله ، كورقة اخري من بين الأوراق التي يعقد عليها ترامب رهاناته ، ويبني علي أساسها قراراته المقبلة مع إيران ومن ذلك انه قد يكون بضربه لمعاقل قوتها وازالة تهديدها لأمن امريكا وأمن شركائها الاقليميين أمام فرصة لن تتكرر وانه سوف يكون مخطئا اذا لم ينتهزها وتركها تفلت منه .
ولهذا كله ، فإن الفترة المقبلة سوف تكون مشحونة عن آخرها بالكثير من الأحداث الكبيرة والصدمات العنيفة التي قد تاخذ الشرق الأوسط كله وراءها في اتجاه آخر .. الرئيس ترامب يريد ان يدخل التاريخ ، وقد تكون حربه المقبلة علي إيران احد هذه الأبواب.