مقالات

ماذا جري في البيت الأبيض ؟

✍️ يوحنا عزمي  

قراءة في تناقض الأهداف وتعارض المصالح ..

تناقض المصالح بين الولايات المتحدة وأوكرانيا : جوهر الخلاف لا يتعلق بشكر أوكرانيا للولايات المتحدة ، بل بتضارب الأهداف الإستراتيجية لكلا البلدين. أمريكا تسعى لإنهاء الحرب لتجنب التصعيد مع روسيا وتخفيف الأعباء المالية ، بينما أوكرانيا تريد دعما غير مشروط لإستعادة أراضيها وتأمين نفسها ضد أي هجوم مستقبلي.

ـ الإدراك المتأخر للواقع العسكري والسياسي : على مدى السنوات القليلة الماضية ، كان هناك تصور غير واقعي حول قدرة أوكرانيا على تحقيق نصر عسكري حاسم. حدث تحول في الخطاب الأمريكي ، حيث تري إدارة ترامب الآن أن إستعادة الأراضي بالقوة أمر غير ممكن ، ما يستدعي قبول تسوية مؤلمة.

ـ دور إدارة بايدن في تضليل أوكرانيا : أصرت إدارة بايدن على أن المصالح الأمريكية تتطابق مع الأهداف الأوكرانية القصوى ، وهو ما ثبت أنه خطأ. هذا يعني أن واشنطن لم تكن واقعية في وعودها لكييف ، مما قد يفسر الإحباط الأوكراني وتصعيد اللهجة السياسية بين زيلينسكي وترامب.

ـ تحميل ترامب والقادة الأمريكيين مسؤولية التوقعات غير الواقعية : حتى مع نقد إدارة بايدن ، لا يمكن تجاهل دور ترامب وغيره في إعطاء أوكرانيا انطباعًا بأنها ستتلقى دعما غير محدود. هذا يُظهر فشلا استراتيجيا أمريكيا في إدارة التوقعات الأوكرانية ، مما جعل كييف تعتمد بشكل مفرط على الدعم الأمريكي.

ـ الجدل حول الأسلوب الدبلوماسي لترامب : الانتقاد الموجه لترامب لا يتعلق بموقفه من الحرب ، بل بطريقة تعامله مع زيلينسكي. نهج ترامب القائم على التوبيخ العلني غير ضروري ، وكان بإمكانه ببساطة التأكيد على محدودية المصالح الأمريكية في أوكرانيا بطريقة أكثر دبلوماسية.

ـ انهيار صفقة المعادن كمؤشر على تقليل الإرتباط الأمريكي بأوكرانيا : الخلافات بين ترامب وزيلينسكي يبدو أنها أدت إلى انهيار صفقة المعادن مما قد يكون مفيداً للولايات المتحدة لأنه يقلل من أي التزامات جديدة تجاه أوكرانيا. هذا قد يكون مؤشراً على أن إدارة ترامب قد تتبنى سياسة أكثر “انعزالا” أو تباعدا تجاه الحرب الأوكرانية ، تاركة أوكرانيا تعول على الدعم الأوروبي بدلا من الأمريكي.

ـ ما حدث في البيت الأبيض يعكس تحولاً جوهريا في الموقف الأمريكي تجاه الحرب في أوكرانيا. هناك اعتراف متزايد بعدم جدوى الرهان على النصر العسكري الأوكراني ، مما يمهد الطريق لنهج أكثر براجماتية يقوم على إنهاء الحرب من خلال تسوية سياسية. وفي المقابل ، يبدو أن أوكرانيا ما زالت تراهن على دعم أمريكي غير محدود ، مما يخلق فجوة متزايدة في المصالح بين الطرفين.

الخلاصة : هذه ليست دبلوماسية تليق برؤساء كبار .. وإنما هي إرهاب نفسي ومعنوي لرئيس دولة ذهب إلي واشنطن للتفاهم ولحسم بعض النقاط العالقة في إتفاقية صفقة غريبة وبلا سابقة معروفة لها بمئات المليارات من الدولارات تدفعها أوكرانيا لأمريكا ، لم يكن الرئيس الأوكراني هو المبادر إليها او صاحب فكرتها ، وانتهت هذه المقابلة العاصفة بمشادة كلامية حادة كان ترامب ونائبه دي فانس هم من صالوا فيها وجالوا واهانوا فيها زائرهم الرئيس الأوكراني زيلينسكي علي مرآي ومسمع من العالم كله.

وانتهت الزيارة بطرده وبأبلاغه بأنه عندما يكون جاهزاً للسلام ، فسوف يكون بإمكانه وقتها ان يعود إليهم ليقابلوه .. وتركوه يخرج من البيت الأبيض بصورة مُهينة وغير لائقة بكرامته كرئيس اذ لم يكن الرئيس ترامب او نائبه في وداعه ولو من قبيل الإحترام للتقاليد البروتوكولية الشكلية المتعارف عليها في مثل هذه المناسبات.

وكان مشهد خروجه من البيت الأبيض مطروداً او غير مرغوب في بقائه كي تأخذ هذه المقابلة المهمة مجراها ، ومع إلغاء المؤتمر الصحفي الذي كان من المقرر ان يتحدث فيه الرئيس الأوكراني إلي الإعلام الأمريكي والدولي ، امراً يدعوا للرثاء ومدعاة للتعاطف بشدة معه خاصة وان الرجل بدأ علي درجة عالية من ضبط النفس وعدم الإنفعال ، ما حدث الليلة في البيت الأبيض من جليطة واستقواء وتنمر برئيس دولة هم من اغرقوها في هذه الحرب وتركوها تضيع هو إهانة لأمريكا بل ان يكون إهانة لأوكرانيا. 

كيف يحدث ذلك في بلد ديموقراطي يقوم نظامه السياسي علي إحترام الحق في الاختلاف وحرية الحوار والتعبير وحول قضايا بأهمية ما ذهب الرئيس الأوكراني من أجله إلي واشنطن ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!