مقالات

سياسة إدارة ترامب تجاه أوروبا وروسيا وأوكرانيا

تحولات جيوسياسية ترسم ملامح جديدة للتحالفات الدولية

✍️ يوحنا عزمي 

تشهد السياسة الدولية تغييرات جذرية مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ تسعى إدارته إلى إعادة رسم ملامح العلاقات مع أوروبا وروسيا وأوكرانيا بطريقة تتناقض مع السياسات التقليدية التي انتهجتها الولايات المتحدة خلال العقود الماضية. هذه التحولات تثير قلق الحلفاء الأوروبيين، وتطرح تساؤلات حول مستقبل التوازنات الجيوسياسية والتحالفات عبر الأطلسي.

الأزمة الأوكرانية .. تحول جذري في الموقف الأمريكي

منذ بداية الحرب في أوكرانيا قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا وماليًا هائلًا لكييف حيث بلغ إجمالي المساعدات 65.9 مليار دولار غير أن إدارة ترامب الجديدة قررت إنهاء هذا الدعم مفضلة نهجًا دبلوماسيًا يقوم على التفاوض المباشر مع موسكو هذه الخطوة التي تتعارض مع التوجهات الأوروبية أثارت قلق القادة الأوروبيين الذين يرون في استمرار الدعم ضرورة استراتيجية للحفاظ على أمن القارة.

وفي هذا السياق عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعًا طارئًا في بروكسل لبحث تداعيات القرار الأمريكي وسط خلافات داخل التكتل بشأن كيفية التعامل مع الوضع الجديد. وبينما عارضت هنغاريا تقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا معتبرة أن مبادرة ترامب قد تمثل فرصة للسلام حذرت دول أخرى مثل (فرنسا وألمانيا) من أن أي تسوية لا تراعي سيادة أوكرانيا قد تكون بمثابة انتصار دبلوماسي لروسيا.

علاقات واشنطن مع الناتو والاتحاد الأوروبي .. تحالفات تحت الإختبار

منذ ولايته الأولى لم يُخف ترامب انتقاده لحلف شمال الأطلسي معتبرًا أن الولايات المتحدة تتحمل عبئا ماليًا غير عادل مقارنة ببقية الحلفاء ومع عودته إلى السلطة واصل الرئيس الأمريكي الضغط على الدول الأوروبية لزيادة إنفاقها الدفاعي مؤكدًا أن أمن أوروبا يجب أن يكون مسؤولية أوروبية بالدرجة الأولى.

وفيما يخص انضمام أوكرانيا إلى الحلف وصف ترامب الأمر بأنه غير واقعي وهو ما زاد من مخاوف الأوروبيين بشأن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن القارة في مواجهة أي تهديد روسي محتمل. في المقابل دفعت هذه التوجهات بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا إلى تكثيف الجهود لتعزيز القدرات الدفاعية الذاتية وتقليل الاعتماد على الدعم الأمريكي ما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في طبيعة التحالفات العسكرية التقليدية.

تقارب أمريكي روسي .. أزمة ثقة أوروبية

أحد أكثر التحولات المثيرة للجدل في سياسة ترامب الخارجية يتمثل في نهجه تجاه روسيا فخلافًا لإدارة بايدن التي تبنت موقفا حازمًا ضد موسكو أبدى ترامب رغبة واضحة في التقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متهمًا القادة الأوكرانيين بالمماطلة وعدم تقديم تنازلات كافية لإنهاء الحرب.

هذا التوجه أثار استياء القادة الأوروبيين الذين يرون في روسيا دولة معتدية يجب محاسبتها على أفعالها في أوكرانيا. كما يخشى الأوروبيون أن يؤدي أي اتفاق بين ترامب وبوتين إلى فرض شروط مجحفة على كييف ما قد يُضعف الموقف التفاوضي الغربي ويمنح موسكو نفوذًا أكبر في المنطقة.

مخاوف أوروبية ومساعٍ دبلوماسية مكثفة

إزاء هذه المستجدات تكثفت الاتصالات الأوروبية مع واشنطن في محاولة لإقناع ترامب بعدم اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى إضعاف أوكرانيا استراتيجيًا فقد زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون البيت الأبيض مؤخرًا للتعبير عن المخاوف الأوروبية ومن المتوقع أن يلتقي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مع ترامب في الأيام المقبلة لمواصلة المناقشات حول الأمن والتعاون الأوروبي.

بالتوازي مع ذلك تتزايد الضغوط داخل أوروبا لتعزيز الجهود الدفاعية المستقلة. فقد دعا فريدريش ميرتس زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا إلى إعادة هيكلة المنظومة الأمنية الأوروبية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة معتبرًا أن الوقت قد حان لتولي القارة مسؤولية أمنها بنفسها.

التوترات عبر الأطلسي .. هل نحن أمام مرحلة جديدة من العلاقات الدولية ؟

السياسات التي يتبناها ترامب تضع العلاقات عبر الأطلسي أمام اختبار حقيقي. فبينما يرى الرئيس الأمريكي أن التوجهات السابقة كانت حماقة ويؤكد ضرورة إعادة صياغة السياسة الخارجية وفقًا لمصالح الولايات المتحدة اولاً ، يرى القادة الأوروبيون أن هذه المقاربة قد تؤدي إلى تآكل الثقة بين الحلفاء التقليديين.

في النهاية تعكس هذه التطورات تعقيدات المشهد الجيوسياسي الدولي حيث تسعى كل من الولايات المتحدة وأوروبا إلى تحقيق مصالحها في ظل تباين الرؤى والاستراتيجيات وبينما تواصل واشنطن إعادة صياغة تحالفاتها يبدو أن القارة الأوروبية قد تجد نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم سياساتها الدفاعية والاقتصادية لمواكبة التغيرات القادمة.

هل نشهد إعادة تشكيل للنظام العالمي؟ 

هذا ما ستكشفه الأشهر والسنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!