بقلم / نـدى سُليمان
في منتصف الليل وكالعادة منذ سنةٍ من الليل الحالك، مطرقة قوية تضرب رأسه التَّعِب..
الفكرة الوسواسية المُزعجة الغير مرغوبة تلقي بنفسها داخل رأسه تحك له مراكز الإحساس في عقله فتوقظه من نومٍ تحايل عليه كثيرًا كي يأتي..
يظل يُصارع تلك الفكرة ولكنها دائمًا ما تطرحه أرضًا، وتُذهِب النوم من عينه التي تستغيث لتحصل على القليل من الراحة والسكون.
تنتصر الفكرة دائمًا وتتحوَّل المقاومة لإستسلام تام وكأن عقله سلّم مفاتح قيادته طواعيةً لها، تتنقل داخله كما تريد وتوجِّههُ كما تشاء..
تتلاعب بهِ كالطفل الذي يلهو بألعابهِ؛ نعم هو الوسواس، لا دينَ له، ولا عِلم ولا يقين يمنعا مروره بالعقول، يعبث بها محاولًا زعزعزة الثوابت بداخلها..
وأقوى العقول وأرجحهم على الإطلاق مَن يتجاهله وأضعفهم عزمًا مَن يُجيبه أو يحاوره أو يُحاول دفعَهُ ..
طارق : متأسف تأخرت عليك، تنتظرني من وقتٍ طول ؟
أحمد : لا أبدًا أتيت قبل الموعد بقليل
: إبتَسم له بحب، دائمًا ما تأتي قبل موعدك.
( ثم تابع بإشفاق )
ما بك يا أحمد قلقت عليك صوتك في الهاتف كان على غير المعتاد .
: الأفكار تزداد يومًا بعد يوم، الشعور بالذنب يتضاعف مع تزايد الأفكار، أشعر أنني مقيّدٌ داخل جسد آخر أو شخص آخر هو الذي يتحكم فيَّ ويوجهني ويدفعني وينهاني …
( أكمَل بحزن شديد )
: حتى الصلاة، أعاني معاناة لا وصف لها كي أُءديها، تركت شغلي، الموظفين وحتى صاحب الشركة لم يتحملوا تصرفاتي الغريبة الغير مبررة
: ..
( مسح وجهه كأنه يمسح من عليه تعب عامٍ من القلق والضجيج ..وأكمل )
:أنا أفكر في أشياء لا يصح التفكير بها، أقاومها كثيرا وكثيرا ما تدفعني لفعل شيئ أظن أنني لو فعلته استرحت
لو أعدت الوضوء لهدئ الوسواس، لو بدأت الصلاة من جديد لهدئ الوسواس، لو تأكدت مرات لا عد لها من غلق الضوء والأبواب والتأكد من الغاز قبل الخروج لهدئ الوسواس ..
( إزداد إنفعالًا وتحشرج صوته بالبكاء )
لكن الوسواس لا يهدئ يا طارق، رأسي تؤلمني، والشعور بالذنب يفتكُ بي، وكثير من الأفكار التي لا أستطيع التفوُّه بها ..
أنت تراني سيئ يا طارق؟
: إهدئ يا أحمد، أنت كما أنت في عيني أحمد الخلوق الطيب المُحب لربهِ، صدقني لو أنك طاوعتني وذهبت إلى الطبيب لارتحت كثيرًا.
: ويُقال عني مجنون!! عن إذنك
( أمسك طارق بذراعِه قبل أن يرحل )
:إلى أين؟ نحن نتحدث، لماذا تتهرب كلما سمعت اسم الطبيب النفسي، أُقسمُ لك أن الأمر ليس بهذا السوء..
ولو كان كذلك، فهو أرحم بكثير مما تمر به منذ أكثر من سنة !!
:أنت تُشعرني بالندم أني حكيتُ لك، أنا فقط أرتاح قليلًا بالكلام ..
:ولما الندم؟؟ أنا صديقك بل أخيك ولم أُخبر أحدًا أبدًا بما تحكيه لكنني لا أستطيع مساعدتك وأخاف عليك وأريد أن تنهي هذه المعاناة وتفك الحبل الذي قيّد خطواتك عن كل شيئ تريده، وتلتفت لحياتك..
: مستحيل، لم أذهب للطبيب وأأخذ أدوية تدمرني أكثر، أدمِنُها كي أعيش، وبدلًا من أن أعيش تحت أسر الوسواس أعيش تحت قيد الأدوية، الموت أرحم من ذلك ..
بمكانٍ يعمُّه الصمت، ووجوه تتوارى خلف هدوئها عواصف تُصارع بعضها بعضًا من تطفو على سطح الهدوء المصطنعِ أولًا..
وابتساماتٌ تُسدل على شفى آلام وإضطرابات وذكريات جذبت لأصحابها الفزع والإنطواء
دلف أحمد بخطوات مهزوزة ونظرات خائفة، تأكد من وجود اسمه في دفتر الكشف مع المُساعد ثم أخذ مقعد بالقرب من النافذة بعيدًا عن الموجودين ..
( بعد وقت أتى دوره للدخول )
: أعلم أنك لم تفيدني بشيئ، أتيت فقط لتقليل الشعور بالذنب تجاه نفسي..
: ورُبَّما أفيدُك بشيئ من يدري ؟!
: رُبَّما
: قول لي، بماذا تفكِّر ؟