مقالات

سيناريو الرد الإيراني علي الضربة الأمريكية للمفاعلات النووية

✍️ يوحنا عزمي 

الضربة الأمريكية الأخيرة التي استهدفت مواقع نووية إيرانية تمثل واحدة من أخطر التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط منذ اندلاع حرب غزة الأخيرة. وبرغم أن التصور الشعبي الأولي يربط الخطر باحتمالات التسرب الإشعاعي والكوارث البيئية، إلا أن الواقع يشي بتعقيدات أعمق وأبعد تأثيراً من مجرد أضرار بيئية محتملة.

في التقييم الفني للموقف ، تشير المعلومات إلى أن معظم المواقع النووية الإيرانية المستهدفة تقع في مناطق شديدة التحصين، بعضها مدفون في عمق الجبال ، ما يجعل احتمالات التسرب الإشعاعي ضعيفة للغاية حتى في حال تعرضها للقصف.

المفاعل الوحيد الذي يحمل احتمالية كارثة بيئية بحجم تشيرنوبل هو مفاعل بوشهر السلمي ، لكن هذا الهدف ظل بمنأى عن الهجوم الأمريكي ، ربما لكون ضربه يعني حكماً بنهاية الحياة البشرية في مدن الخليج العربي بسبب سحابة إشعاعية هائلة قد تمتد تأثيراتها عبر المنطقة، وهو سيناريو يستحيل أن تسمح به لا واشنطن ولا تل أبيب بسبب تداعياته المباشرة على حلفائهما الخليجيين.

إذاً ، أين يكمن الخطر الحقيقي في هذه الضربة؟

تكمن الخطورة الأكبر في أبعادها السياسية والاستراتيجية ، لا سيما بعد أن ظلت طهران منذ بداية حرب غزة تلوّح بأن أي تدخل أمريكي مباشر سيُقابل برد شامل يستهدف القواعد والمصالح الأمريكية في منطقة الخليج ، وصولاً إلى تهديدها بإغلاق مضيق هرمز ، وهو شريان النفط العالمي. مجرد تنفيذ هذه التهديدات من شأنه أن يفتح أبواب حرب شاملة لا يمكن السيطرة على تداعياتها، خاصة إذا ما قررت قوى كبرى كروسيا أو الصين الانخراط في هذا الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر.

الضربة الأمريكية، رغم دقتها وحساباتها ، وضعت النظام الإيراني في موقف بالغ الحرج. فمن جهة ، تعرضت مواقع نووية تعتبرها طهران رمزاً للكرامة والسيادة الوطنية لضربات مهينة قللت عملياً من قدرة البرنامج النووي الإيراني لسنوات قادمة ، حتى لو صحت رواية نقل المواد الحساسة لمواقع أخرى. ومن جهة أخرى، فإن عدم رد إيران بشكل قوي ومباشر سيفقد النظام جزءاً كبيراً من هيبته أمام الداخل والخارج ، وقد يُنظر إليه كسلطة مرتعشة عاجزة، وهو وضع يهدد بقاء النظام السياسي الإيراني ذاته.

والسؤال الكبير الذي يقفز إلى الواجهة الآن هو : هل ستنفذ طهران تهديداتها القديمة وترد بحجم الضربة الأمريكية نفسها، حتى لو جر ذلك المنطقة كلها إلى أتون صراع كارثي؟

أم أنها ستختار التهدئة المؤقتة على حساب سمعتها الاستراتيجية ونفوذها الإقليمي، انتظاراً لفرصة أفضل أو وساطة دولية تنقذ ماء وجهها؟

الإجابة لا تزال مجهولة ، وإن كان المؤكد أن الساعات والأيام المقبلة ستحمل إشارات قوية على الاتجاه الذي ستسلكه طهران ، فإما أن تختار المواجهة الشاملة بما تحمله من مغامرة وجودية ، أو تنكفئ على جراحها في انتظار مخرج سياسي ما ، مع إدراكها أن كل ما حدث قد أضعف رصيدها كثيراً في معادلة الردع الإقليمي.

وفي غمار هذا المشهد المتأزم ، تبقى المنطقة كلها معلقة على حافة الاحتمالات ، بين حرب شاملة قد لا تبقي ولا تذر ، أو تسوية باردة ستعيد ترتيب موازين القوى لسنوات قادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!