✍️ يوحنا عزمي
تشهد المنطقة العربية تحولات عميقة منذ ثورة 30 يونيو التي مثلت نقطة زلزالية في تاريخ مصر والمنطقة ، وفتحت أبواباً جديدة للتساؤلات حول علاقة ثورة يوليو القديمة بها ، ومدى استمرار تأثيرها على حاضر الدولة المصرية. البيان الذي صدر في 3 يوليو حمل تحولات جذرية وصار يومًا فاصلًا في مسيرة مصر ، ليعيد تشكيل معادلات داخلية وخارجية أفرزت لحظات من التأمل والتوقف ، وأكدت أن مصر واحدة من أكثر الدول التي قاومت وباء الإسلام السياسي الذي اجتاح عدداً من البلدان في تلك الفترة.
في هذا المشهد ، عاد وائل غنيم ليتصدر الحديث مجدداً ، بينما تواصل التساؤلات عن طبقات المجتمع المصري ، من الفقير إلى الغني ، تتكرر بلا إجابة واضحة. في روسيا، يقف قائد فاغنر مهددًا جيشه ، في مشهد يعكس اضطرابًا متصاعدًا داخل بنية النظام العسكري الروسي ، بالتزامن مع اشتعال الحرب في أوكرانيا، التي بدا أنها أصبحت عبئاً روسياً صرفًا ، وسط فشل متكرر في إدارة العمليات ، واستقالة قيادات ، واستخدام محتمل للسلاح النووي كخيار أخير.
في هذه الأثناء ، يظل السودان نقطة ساخنة في قوس الأزمات الإقليمية. ميليشيات الجنجويد ، وأحداث 15 أبريل ، والهدنة الرابعة برعاية أمريكية سعودية ، تضع البلد على مفترق طرق لا يبدو أنه سينتهي قريباً ، بينما تزداد المخاوف حول الدعم الروسي لقوات الدعم السريع ، وتظل مصر والسودان في رباط تاريخي مشترك لا ينفصم ، تحركه الجغرافيا ويؤكده التاريخ.
في خلفية كل ذلك ، تظل أمريكا حاضرة بثقلها ، لا تحترم إلا الأقوياء ، وتعيد حساباتها مع السعودية التي أصبحت عقدة السياسة الخارجية الأمريكية ، ومركزًا نشطًا للدبلوماسية الإقليمية.
في المقابل ، تسعى واشنطن لسحب الرياض من تموضعها الجديد، وسط تقارب سعودي-إيراني أربك الحسابات الأمريكية والإسرائيلية، وأعاد ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط.
على الجانب الإسرائيلي ، يعود نتنياهو إلى الحكم وسط نفق سياسي مظلم ، يتزامن مع غارات متكررة على إيران ، ومحاولات حثيثة لإيقاف المشروع النهضوي المصري دون اللجوء إلى الحرب المباشرة. ومع ذلك ، تظل الأسئلة مطروحة: هل نحن أمام مواجهة إيرانية إسرائيلية وشيكة؟ وهل يملك العرب أدوات ردع حقيقية؟
أما أوروبا، فقد ارتكبت أخطاءً فادحة في منطقتنا عندما ساهمت في دمار أوطان كثيرة ، بينما يشهد الاقتصاد العالمي تقلبات عنيفة تقودها حرب أوكرانيا التي قلبت كل المفاهيم الاقتصادية. الدولار يواجه حملات تفكيك في ظل سياسات مبالغ فيها ، ومصر تحاول الصمود اقتصاديًا رغم صعوبات ، بينما تنتظر تعافي الموانئ من تكدس البضائع بقيمة تتجاوز 14 مليار دولار.
في مشهد داخلي ، لا تزال الثانوية العامة مصدر البلاء ، وتستمر الحوارات الوطنية في محاولة لإنتاج عقد اجتماعي جديد، بينما يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصعب اختبار انتخابي في تاريخه. وفي خضم ذلك، تعيش بريطانيا على وقع استقالة ليز تراس ، وتتصاعد أزمات الصين وسط حملات تشهير تقودها واشنطن ، في حين تواصل الصين تعزيز حضورها الدولي بثقة عالية.
من جهة أخرى، يشتعل الجدل بشأن المثقف المصري وهويته، ويتجدد السؤال عن علاقة إسرائيل بالأسلحة النووية ، بينما يسود الغموض خلف سيناريوهات فاغنر. وفي ظل الحروب الهجينة وتفكك المنظمات الدولية ، تبدو الأمم المتحدة خارج التغطية ، والعالم على شفير الهاوية.
يعود الحديث مجددًا عن رموز الفن مثل عادل إمام، ويطرح السؤال القديم الجديد : ظالم أم مظلوم؟ وعلى الساحة الفلسطينية ، يتهم الرئيس عباس المجتمع الدولي بالصمت ، بينما تتجاوز الانتهاكات الإسرائيلية كل الأعراف. وتستمر المؤامرة الغربية ضد الاتحاد السوفيتي كدرس يتكرر في الحاضر بوجه جديد.
يطرح البعض تساؤلات عن معنى الديمقراطية إن كانت البرلمانات لا تعبر عن إرادة الشعوب ، وعن جدوى الوساطات الدولية في السودان ، بينما تتجه الأنظار إلى لبنان وإسرائيل مع التوقيع الرسمي على اتفاق ترسيم الحدود البحرية. في كل ذلك ، تظل مصر لاعبًا محوريًا لا غنى عنه لأي إدارة أمريكية ، ليس إعجاباً بل لحاجة حقيقية.
أما داخلياً ، فتظهر مبادرات ضخمة مثل “حياة كريمة” التي تجاوزت تكلفتها 700 مليار جنيه ، ومشروعات تنموية تطال 1477 قرية ، في محاولة لخلق واقع جديد وسط عواصف اقتصادية لا تهدأ. ويتواصل الجدل حول أداء الدبلوماسية المصرية، وسط تساؤلات عن تصريحات متناقضة لمسؤولين كبار.
وأخيراً ، يتكرر السؤال المثير : ماذا لو لم تحدث ثورة الثلاثين من يونيو؟ سؤال لا يحمل إجابة واحدة ، لكنه يبقى مفتوحاً على سيناريوهات من الجحيم ، ربما أنقذتنا الثورة من أحدها.