مقالات

الحصار الجيوسياسي على إثيوبيا .. كماشة القاهرة تُطبق

✍️ يوحنا عزمي 

السياسة والحرب مثل لعبة الشطرنج ؛ قد تبدو بعض الحركات عادية أو حتى خاطئة ، لكن المحترف يدرك أنها جزء من خطة طويلة تُحكم نهايتها بـ”كش ملك”.

هذا بالضبط ما فعلته مصر مع إثيوبيا .. خطة صامتة ، مدروسة ، تُنفذ خطوة بخطوة لعزلها وتطويقها ، استعدادًا لأي سيناريو قادم.

 معنى التطويق الجيوسياسي

هو ببساطة حصار دولة جغرافياً من خلال بناء تحالفات متينة مع جميع جيرانها ، بحيث تُعزل عن أي دعم خارجي أو عمق استراتيجي.

والتطويق نوعان :

سلبي : كما يحدث معنا الآن عبر حزام من الأزمات والحروب لإشغالنا وإضعافنا.

إيجابي : كما نفعل مع إثيوبيا ، بتحالفات مع جيرانها تخدم مصالحنا وأهدافنا.

 مكاسب مصر من التطويق

ضغط سياسي واقتصادي : عزل إثيوبيا وضرب اقتصادها المتعثر أصلًا.

تعاون استخباراتي : استغلال وجود عيون حليفة في العمق الإثيوبي.

تحييد الجيران أو كسبهم : لضمان عدم وقوفهم ضدنا في أي محفل.

منع الدعم العسكري عنها : أو على الأقل ضمان انحيازه لنا حال المواجهة.

 استراتيجية النفس الطويل

منذ 2013، تحركت مصر بسياسة النفس الطويل، وأعادت صياغة تحالفاتها مع جيران إثيوبيا الثمانية :

السودان – جنوب السودان – أوغندا – كينيا – بوروندي – جيبوتي – إريتريا – الصومال.

أهم المحطات :

2020: اتفاق دفاع مشترك مع السودان ، ومشاريع اقتصادية كبرى كالربط الكهربائي والسكك الحديدية.

2021: تعاون عسكري واستخباراتي مع أوغندا ، واتفاقات دفاعية مع بوروندي وكينيا ، وزيارات تنموية لجنوب السودان.

2022: زيارة تاريخية لجيبوتي وتوقيع اتفاق لإنشاء منطقة لوجستية مصرية هناك.

2024: اتفاقيات أمنية مع إريتريا ، وتفعيل الدفاع المشترك مع الصومال بعد محاولة إثيوبيا السيطرة على ميناء صومالي.

2025: شراكة استراتيجية أمنية واقتصادية مع أوغندا بحضور رئيسها في القاهرة.

 جيبوتي .. مفتاح باب المندب

رغم صغر مساحتها ، فإن موقعها الذهبي على مضيق باب المندب يجعلها ورقة استراتيجية.

المنطقة اللوجستية المصرية هناك تتيح :

تأمين الأسطول الجنوبي والمجموعة القتالية لحاملة الميسترال “جمال عبد الناصر “

حماية أصول ومصالح مصر الاقتصادية خارج حدودها.

السيطرة على شريان إثيوبيا الوحيد نحو العالم الخارجي.

 إريتريا والصومال … خطوط ضغط إضافية

إريتريا : اتفاقيات أمنية ومكافحة إرهاب تعزز نفوذنا هناك.

الصومال : تفعيل الدفاع المشترك، مع إمكانية وجود عسكري مصري دائم على حدود إثيوبيا لزيادة الخنق الاستراتيجي عليها.

الخريطة اليوم تكشف أن مصر نجحت في التحالف مع كل جيران إثيوبيا تقريبا ، ما يعني أنها محاصرة سياسياً ، استخباراتيًا وعسكريًا ، وأي مواجهة قادمة ستجد نفسها فيها وحيدة.

 جاهزية الجيش المصري

الجيش المصري أثبت قدرته على إدارة أكثر من جبهة في آن واحد، كما فعل خلال الحرب على الإرهاب. ومع التطوير الكبير في القوات الجوية والبحرية والقواعد العسكرية ، إضافة إلى مركز القيادة والسيطرة الأحدث في المنطقة ، فإن الجاهزية لأي مواجهة في أي اتجاه صارت حقيقة.

 الهدف النهائي

الخطة ليست وليدة اللحظة ، بل تجهيز مدروس لمسرح العمليات إذا تجاوزت إثيوبيا الخطوط الحمراء في قضية النيل. سواء كان الحل عبر المفاوضات أو بالقوة ، ضمنت مصر أن تكون في أقوى وضع ، فيما تكون إثيوبيا في أضعف حالاتها.

 الخلاصة

القاهرة تتحرك بهدوء ، بخطة طويلة المدى ، تمزج بين حكمة السياسي وحسم العسكري.

الوجود في جيبوتي ، الدعم للصومال ، والتحالف مع كل جيران إثيوبيا .. كلها خطوات لحماية الأمن القومي المصري وحقوقنا التاريخية في النيل.

ومن يقرأ الخريطة جيدًا اليوم سيصل للرسالة دون أن تُقال : انتهت اللعبة يا آبي أحمد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!