مقالات

أمريكا على أبواب غزو فنزويلا .. وفضيحة إبستين تُشعل أخطر معركة سياسية في عهد ترامب

✍️ يوحنا عزمي

تعيش منطقة الكاريبي هذه الأيام حالة غير مسبوقة من التوتر العسكري، بعد أن بدأت الولايات المتحدة في حشد قواتها البحرية والجوية على نطاق واسع بالقرب من سواحل فنزويلا، في خطوة تبدو من حيث الشكل “عملية لمكافحة تهريب المخدرات”، لكنها في الواقع تحمل خلفيات أعمق بكثير ، قد تصل إلى حد الإعداد لغزو عسكري مباشر خلال وقت قريب جدًا.

ففي الأيام الماضية ظهرت حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة USS Gerald R. Ford في قلب مياه الكاريبي، ترافقها مجموعة قتالية متكاملة تضم مدمرات ، وغواصة نووية ، وعشرات الطائرات ، إلى جانب قوة يصل قوامها إلى ما يقارب 15 ألف جندي في وضع استعداد قتالي كامل.

وفي ذات التوقيت ، قامت وحدات من مشاة البحرية الأميركية بإجراء تدريبات ليلية قرب حدود فنزويلا ، وهي تحركات تشير إلى أن واشنطن تستعد لسيناريو أكبر بكثير من مجرد “مطاردة لقوارب تهريب”.

الولايات المتحدة تعلن رسمياً أن وجودها العسكري هدفه مواجهة شبكات المخدرات ، لكن حجم العمليات وشراستها يدفعان كثيرين للاعتقاد بأن ما يجري هو تمهيد سياسي وعسكري لعمل أوسع. فبحسب تقارير صحفية أميركية ، نفذت القوات الأمريكية أكثر من 20 ضربة استهدفت قوارب في البحر الكاريبي ، وأدت إلى سقوط ما يزيد عن 75 قتيلًا ، دون أن تقدم واشنطن دليلًا واحداً على أن هذه القوارب كانت بالفعل جزءًا من شبكات التهريب.

الأخطر من ذلك ، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – قبل أيام فقط – تلقى من قيادات الجيش مجموعة كاملة من الخيارات العسكرية المعدة لضرب فنزويلا من الجو والبر داخل أراضيها، وليس في المياه فقط. وهذا ما دفع محللين عسكريين أميركيين إلى التأكيد أن وجود حاملة الطائرات “جيرالد فورد” لا يحمل أي تفسير منطقي إلا نية استخدامها في عمليات مباشرة ضد فنزويلا.

لكن السؤال الحقيقي : لماذا فنزويلا .. ولماذا الآن؟

فنزويلا واحدة من أغنى دول العالم من حيث الاحتياطي النفطي ، وتمتلك موقعًا استراتيجياً مهماً ، كما أنها ضمن محور دولي متقارب سياسياً مع خصوم الولايات المتحدة مثل إيران وروسيا. السيطرة على قرارها السياسي والاقتصادي يمثل فرعاً مهماً من مصالح واشنطن.

لكن ما يجري على السطح يخفي خلفه أزمة أشد خطورة. فملف الملياردير الراحل جيفري إبستين عاد للظهور بشكل صادم، بعد تسريب أكثر من 23 ألف وثيقة تضم مراسلات وصورًا وزيارات وعلاقات حساسة للغاية ، قد تطيح بعدد كبير من السياسيين ورجال الأعمال حول العالم. التسريبات طالت الرئيس ترامب نفسه ، وربطت اسمه بزيارات للجزيرة التي اشتهرت بأنها مركز لاتجار جنسي بالقاصرات. ورغم أن صحة هذه الوثائق غير مؤكدة ، إلا أن انتشارها في الإعلام الأمريكي أثار عاصفة حقيقية.

الكونجرس يستعد خلال الأسابيع القادمة للتصويت على مشروع قرار يطالب بالإفصاح الكامل عن الوثائق ، في خطوة قد تُطلق واحدة من أخطر الأزمات السياسية في تاريخ الولايات المتحدة. وحسب محللين وسياسيين أميركيين ، فإن ترامب في حاجة ملحة إلى أي “حدث ضخم” يمكنه تحويل الأنظار عنه ، وإعادة ترتيب المشهد السياسي قبل أن تنفجر القضية في وجهه.

وهنا يظهر تفسير السيناتور الديمقراطي كريس مورفي الذي قال بوضوح إن ما يحدث في الكاريبي ليس له علاقة بالمخدرات ، بل هو محاولة لصرف انتباه الرأي العام الأميركي عن التضخم ، وعن الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، وعن فضيحة إبستين تحديدًا.

أما فنزويلا نفسها ، فبدأت التحضير لأسوأ السيناريوهات. وزير دفاعها أعلن أن الجيش في حالة “جاهزية عملياتية كاملة”، مع نشر بطاريات الدفاع الجوي والصواريخ، وتجهيز ما يقارب مليون مدني على شكل ميليشيات شعبية سيتم تدريبها للمشاركة في حرب عصابات واسعة إذا ما حدث غزو أمريكي. بل إن تقارير ذكرت وجود خطة تُسمّى “الفوضى الخلاقة”، تستهدف نشر الاضطرابات في كل أنحاء البلاد لمنع أي قوة غازية من فرض سيطرتها.

في المقابل ، تسعى فنزويلا للحصول على دعم مباشر من روسيا والصين وإيران ، ما يجعل أي مواجهة محتملة أخطر مما يبدو ، وقد تفتح باباً لصراع إقليمي معقد يشبه ما حدث سابقًا في العراق وأفغانستان.

في النهاية ، يبقى المواطن – سواء في أمريكا أو فنزويلا – هو الخاسر الأكبر في لعبة سياسية لا تهتم إلا بالمصالح ، والتحالفات ، وتصفية الحسابات. أما الشعوب ، فهي دائماً تدفع ثمن صراعات لا يد لها فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!