مقالات

يوم تُقصف فيه غزة وتُهان فيه سوريا .. وتسقط معه آخر ما تبقى من الكرامة العربية

✍️ يوحنا عزمي

في الساعات الأولى من يوم أمس عاد المشهد الدموي في غزة ليشتعل من جديد ، وكأن الألم لم يغادر لحظة واحدة. دون تمهيد أو مقدمات ، أعلن جيش الإحتلال استهدافه لمواقع داخل القطاع، وخاصة في خان يونس، تحت ذريعة جاهزة اعتدنا سماعها : «إطلاق نار تجاه قواتهم» و«خرق إتفاق وقف إطلاق النار».

ورغم علم الجميع بأن هذه الحجج لا تتجاوز كونها غطاء إعلامي ، فإن آلة الحرب انطلقت بلا تردد، وبدأت الطائرات والمدافع تمطر القطاع بضربات متتابعة، امتدت من الشمال إلى الجنوب، لتسقط خلال ساعات قليلة 22 شهيدًا، بينهم سبعة قضوا داخل خيام للنازحين في منطقة المواصي التي يُفترض أنها آمنة.

ولم يكتفِ الاحتلال بذلك ، بل أعلن عبر إعلامه الرسمي تصفية قائد كتيبة حي الزيتون ورئيس الوحدة البحرية في حماس، بعد استهداف اجتماع قيادات في المنطقة الشرقية من غزة. وبينما كان الحديث يدور عن اتفاق لوقف إطلاق نار وقرار صادر حديثًا من مجلس الأمن ، كانت العمليات على الأرض تقول شيئاً آخر : لا هدنة ، ولا التزام، ولا إحترام لأي قرار دولي … الدم وحده هو الحقيقة المستمرة.

ومع إستمرار القصف ، جاءت اللطمة الثانية في اليوم نفسه، لطمة لم تكن على جسد غزة هذه المرة بل على وجه المنطقة كلها. ظهرت صور نتنياهو وهو يتجول بكل راحة داخل جزء من الأراضي السورية المحتلة ، يتنقل فوق تلة داخل المنطقة العازلة ، محاطًا بوزير الدفاع ، ووزير الخارجية ، ورئيس الأركان ، وكبار ضباط المخابرات، وكأنهم أمام منطقة إسرائيلية خالصة. الإعلام العبري عرض المشهد بمنتهى البساطة ، ووصف الجولة بأنها «تفقد للحدود».

الحدود التي أصبحت – في نظرهم وفي خطابهم – داخل سوريا نفسها.

سوريا بدورها ردت ببيان شديد اللهجة ، أدانت فيه ما حصل واعتبرته «زيارة غير شرعية» و«انتهاكًا خطيرًا للسيادة». لكن وقع الكلمات بدا أضعف من الحدث نفسه ؛ إذ إن ما جرى لم يكن مجرد انتهاك ، بل إهانة متكاملة الأركان، حين تتحول أرض دولة عربية كبيرة إلى خلفية لصور يلتقطها قادة الإحتلال دون خوف أو حساب.

الحدثان ، قصف غزة وتجول نتنياهو في الأرض السورية، ليسا منفصلين كما يبدو للوهلة الأولى. الرابط بينهما واضح كالشمس : إسرائيل تتحرك بثقة مطلقة ، ثقة تستمدها من واقع عربي فقد توازنه ، ومن منطقة مشغولة بصراعاتها وانقساماتها لدرجة لم تعد قادرة فيها على الرد أو حتى الاعتراض.

في ظل هذا المشهد ، يتحول الاحتلال إلى قوة فوق القانون ، تضرب من تشاء، وتستخدم أي ذريعة ، وتتجول داخل أراضي العرب كما لو كانت ملكاً لها.

اليوم لم يكن مجرد يوم آخر من القصف أو الاستفزاز. اليوم كانت الكرامة العربية نفسها تُداس تحت أقدام المحتل، مرة في غزة حيث الدم ينزف بلا توقف ، ومرة في سوريا حيث السيادة تُنتزع علناً أمام كاميرات العالم.

والسؤال الذي يتردد في القلب قبل العقل : إلى متى؟
إلى متى سيظل الإحتلال يتحرك بلا رادع ، بلا خوف من حساب ، وكأنه كيان فوق الإنسانية وفوق كل البشر؟

ومتى يأتي اليوم الذي تستعيد فيه هذه المنطقة وزنها، وتعود فيها الكرامة إلى مكانها الطبيعي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!