بقلم – جلال الدين محمد
يوم حافل في عاصمة الضباب، اجتماع من الثامنة إلى العاشرة صباحًا، ثم مظاهرة داعمة لغزة. كم أنا سعيد أن التظاهر لأجل أرض العزة صار مشهدًا معتادًا هنا.
في الماضي كان من الصعب أن تقول حتى كلمة نقد للأعداء، الآن صاروا منبوذين كالمصاب بالجرب. والأحداث السعيدة تتوالى صديقي “معاذ” سوف يُرزق بصبي اليوم؛ لذلك كان الاتصال به هو أول ما فعلته حين عدت للمنزل، إلا أن الصوت الذي رد علي لم يكن ما أردت سماعه.
مرحبًا يا “عامر”، هل تجرؤ على نسيان صوت العم “عبد القادر”؟، هكذا عاتبني وقبل أن أخبره بأن ذلك غير ممكن، تابع متجاهلًا ردي، صديقك بالداخل مع زوجته، هل ظننتي سرقت هاتفه كما فعلت تلك المرأة منذ خمس سنوات؟
بصراحة أنا متأكد أن السيد “عبد القادر” انتزع هاتف “معاذ” ليجعله يتفرغ لزوجته ولم يكن “معاذ” في حالة تسمح له بالاعتراض، أعني نحن لا نجرؤ على مخالفة ذلك الرجل في الحالات العادية فما بالك الآن. ولكن قوله أنه سرق امرأة استحوذ على كل فضولي ولم أفكر سوى في معرفة أدق التفاصيل.
على أي حال لست بحاجة للسؤال فقد بدأ بالحكي مباشرة. منذ خمس سنوات كنت في المنصورة. لا أعتقد أن السيد “عبد القادر” قد غادر الحي الذي يسكنه منذ عشر سنوات، لكني لم أهتم بالتفاصيل وتركته يتابع، فقال، ودخلت إلى البنك لإنهاء معاملة ما فجلست بجواري امرأة ربما تصغرني وقتها بخمس سنوات.
تبادلنا أطراف الحديث وبينما كانت تراجع أوراقها تركت معي هاتفها، ثم عدنا للحديث مرة أخرى عن السمن البلدي وتأثيره على طعم ما نطبخه، بالمقارنة مع السمن الصناعي والنيوزيلندي، وتذكرت طعام والدتي وحتى هي ذكرت طعام والدتها، وأخبرتني أنها تسير على دربها، وحين جاء دورها رحلت ونسى كلانا أمر الهاتف.
فوجئت بعد ذلك بالهاتف معي وانتظر عمك “عبد القادر” أن يرن لأعيده لأصحابه. ولكن المرأة الغير مؤدبة باغتت عمك باتهامه بأنه لص حين اتصلت! هل تصدق يا “عامر”، عمك “عبد القادر” الشريف الذي عجزت أجهزة الاستخبارات الدولية عن إقناعه بخيانة وطنه، سيخون الأمانة لأجل هاتف؟!
كتمت الضحك وأكدت له أنها امرأة مجنونة بلا أي شك. فقال لي نعم، ولذلك انفعلت عليها وقلت أيتها المرأة التي لا تساوي جنيهًا، هل يسرق رجل مثلي هاتف كهذا؟! هاتفك رديء لأقصى درجة ومليء بالأشرطة اللاصقة كالمكسور الذي لفه الأطباء بالجبس فغطى جسده، إذا حاول لص ما بيعه فيستلقى شاحنًا سنه رفيع في عينه من صاحب متجر الهواتف.
ثم توعدتها بإلقاء الهاتف في الترعة؛ لأن أذن الناس المسكينة لا تستحق أن تسمع صوتًا خرج من هاتف كهذا، وأغلقت الخط في وجهها. استحقت ما فعلت يا “عامر” أليس كذلك؟!
قاطعه صوت الحياة بعد أن وهبها الله لطفل صغير، هو الابن الثالث لصديق عمري. فشعرت بالسرور يملأ جنبات نفسي، ولكن العم “عبد القادر” أغلق الخط في وجهي دون سابق إنذار. أنا على يقين أنه سيُحاول إقناع “معاذ” المسكين بتسمية الصبي “عبد القادر”. فليُساعدك الله يا “معاذ”، ويحمي هاتفك من أن يُلقى في الترعة حين ترفض.

 
						


