ابداعاتخواطر

مدينتنا

إسماعيل السيد 

 

خضراء كانت سماء المدينة 

لأننا كنا أشجار 

قبل أن تحكمنا الفؤوس 

 

خضراء كانت لغاتنا 

لأن الأفواه كانت برك مُسالمة 

ولأن قشور الكلمات كانت من الطحالب 

 

خضراء كانت الدماء القروية بين الشرايين 

لأنها لم تعرف الخنجر 

عرفت دفء الحبيبة 

وقسوة الغابة 

ورطوبة الحب

 

خضراء كانت أسناننا 

قبل أن تتزوج السيف 

وتشاركه غداء الرؤوس 

 

خضراء القصائد 

خضراء الأحلام المُبللة بالرمال 

خضراء الرمال الملتصقة بسيقان الحبيبة

في النهر المسعور 

خضراء أحذية الأطفال الخارجون من بيضة 

اليقطين 

خضراء شفاه الصبيّة الراكضة صوب البلوغ

عارية تمامًا من أي باب أو قفل 

خضراء العصافير التي انتحرت 

لأنها رأت أطفال موتى لم تشملهم كشوفات العصافير 

خضراء الليالي التي قالت لي فيها 

قبلني 

خضراء الليالي التي همست لها في صدرها 

أنا متعب 

خضراء أصابعها التي حكت صدري 

وكشطت منه أحذية ومشاوير 

وأصابع بلا طلاء أو أظافر مكدسة باللحم 

خضراء كانت ابتسامة المتسول الذي رفع يده 

يطلب جنيه 

وعاد بلا أيدي 

وبقلب كامل 

خضراء النافذة الحديدية التي علق طرفها بفستانكِ

في الحنين اللص 

ومزق عنكِ كل تلك السنين 

خضراء الجثة التي ابتسمت في وجه الطلقة 

لتصيبها بالموت 

خضراء جثة العلم الوطني 

التي كُفنت بجثة جنرال 

خضراء المياه القادمة من أمطار الصيف 

تلك التي نزفت أقصاب 

ومراكب 

وأكواخ 

خضراء الأسئلة المكررة لليل 

ماذا تفعل الأيدي الوحيدة بعد الواحدة وحدة ؟

خضراء الخريطة الدموية لمدينتي 

خضراء الجروح التي أحدثتها المراكب في سُرة النهر 

خضراء القطع المعدنية بين أذني جارتي 

تلك التي تجيد نزع الأقمصة دون صوت 

خضراء الأيادي التي فقعت عين الرصاصات 

 

كل شيء كان أخضر 

من خلع أضلع الليل والبسه للجنود

من سحب الخنجر المغروز في السماء 

ليسيل كل هذا الليل 

من وضع الطست فوق المدينة 

ليخبئ عننا كل ذلك الفجر

 

الزمان الجريح 

يسير الآن على أمشاط الغبار 

يرتكب الدوار 

في حافة الكأس العاشرة 

 

والصبايا الذين لقوا حتفهم في انقلاب شاحنة حظ 

يبتسمون 

كسكان المرآيا 

ويسردون قصصهم الصاخبة 

ويقولون 

خضراء الجنائز التي صلت لها الغابات 

 

الشيوخ الذين نسوا أن يموتوا 

يجلسون خارج محطات العدم 

يسألون المغادرين الوسمين 

عن موعد الرحلة القادمة 

يقولون أجابتهم نفسها 

راقبوا الضوء 

فخضراء تذاكر الأحتضار 

 

العمال الذين اشتروا تذاكرهم 

في المناجم

في القطارات السريعة 

يجلسون في مائدة العدم 

يشعلون التبغ يتحدثون عن الثورات 

و عن نساء كن يلعقن الملح 

عن الإبط بلذة كافرة 

يضحكون بخضرة ملساء 

ويصرخون جميعًا

خضراء أيادي الضحايا 

كالعناقات 

 

من يسحب كارة الليل عن الغابة 

عن مقعد الجدة 

وعن قصتها والمحرمة 

أغنيات الزمان الجريح 

تغطي تجاعيدها 

بالبثور 

من يكشط عن الجثة شهوتها والطحين 

 

أيتها الملائكة في الأعلى 

كناسوا البلاد القتيلة 

جامعوا ضرائب الإله

مفتشي أمن الخطايا 

منقبي الفولاذ البشري 

هل يمكن أن تجيبوا  

حين سحبتم الخنجر من قلب هابيل 

حين فعلتم ذلك

هل كانت دماءه خضراء؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!