✍️ يوحنا عزمي
هذا هو تقديري للموقف بعد اكثر من ثمانية شهور كاملة من حرب الإبادة الجماعية الشاملة التي تشنها إسرائيل علي غزة والتي لا يوجد ما يؤشر بأنها في طريقها إلي التوقف ..
فالمفاوضات التي تدور بين إسرائيل وحماس برعاية أمريكية مصرية قطرية ، دخلت طور التجميد بعد ان وصلت بطرفيها إلي نهاية طريق مسدود بسبب تباعد المواقف عن بعضها بصورة لا تسمح بتوافقهما علي حل وسط يكون مقبولا لكليهما ، وتعذر التوصل إلي اتفاق يترك الطريق مفتوحا علي آخره امام آلة الحرب الإسرائيلية لتدمر رفح بشراسة متناهية ولتقتل وتبيد وتفتك بأهلها وتفعل فيهم مثلما فعلت من قبل في غزة بمحوها لمعالمها وبتدميرها لقابليتها للحياة ..
اما المقاومة الفلسطينية المسلحة ، فإنها تقاتل ببسالة بقدراتها العسكرية المحدودة بعد ان اصبحت كل سبل ومنافذ الحصول علي السلاح من داعميها الخارجيين ، مغلقة في وجهها ولم يبقي أمامها سوي الاعتماد علي قدراتها الذاتية وحدها .. وهو ما يجعل منها حربا غير متكافئة علي الإطلاق مهما بلغت شجاعة المقاتلين والمقاومين لهذا الطوفان العسكري الإسرائيلي المدعوم أمريكيا بلا حدود.
هذا بينما تبقي المعابر التي تصل بين غزة والخارج اما مغلقة بشكل تام او مدمرة تماما كمعبر رفح البري الذي لم يعد يصلح للاستخدام وسوف يبقي كذلك لفترة طويلة قادمة ، وذلك باعتراف الإسرائيليين انفسهم لأنهم هم من دمروه واخرجوه من الخدمة ، وهم من اعلنوا ذلك للعالم .. وهو ما يعني ان حصارهم لغزة لقطع كل اشكال المساعدات الإنسانية عنها وقتلها بسلاح التجويع ، سوف يستمر ولتتدهور الأوضاع الإنسانية والحياتية والصحية في القطاع من سيئ إلي اسوأ .. وهو ما يشكل احد اخطر أسلحة حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية وافظعها تاثيرا علي الإطلاق ..حيث تبقي كافة مظاهر الحياة الطبيعية في غزة مشلولة بل ومدمرة تماما.
اما عن إمدادات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل ، فهي مستمرة علي قدم وساق بكل منظوماتها ونوعياتها ولا اية قيود او سقوف او موانع او تحفظات ، وكأن إسرائيل سوف تحارب بها دول الشرق الأوسط مجتمعة وليس بضعة فصائل من المقاومة الفلسطينية المسلحة.
اعني هنا ان كل ما تطلبه إسرائيل من أسلحة أمريكية يجد إستجابة فورية له من قبل البيت الأبيض والكونجرس بأعضائه الجمهوريين والديموقراطيين ، وبخاصة في سنة انتخابات رئاسية حيث يصبح الحصول علي أصوات الناخبين اليهود هدفا استراتيجياً مهما للحزبين الديموقراطي والجمهوري علي السواء وهو ما يصب كله لصالح إسرائيل.
والآن تتأهب إسرائيل للحرب علي لبنان بزعم ان معركتها فيه هي مع حزب الله بالأساس ، لكن هدفها الحقيقي منها وعلي المدي البعيد هو إخراج لبنان كله من معادلات الصراع العربي الإسرائيلي وان ذلك لن يكون ممكنا عمليا إلا باغراقه في بحر هائل من الخراب والدمار الشامل ، وهو ما سوف يتيح لإسرائيل إعادة رسم حدودها مع لبنان وفق خرائط حدودية جديدة ، يمكنها معها إقامة ما قد تراه ضروريا لحماية أمنها وأمن مستوطناتها الشمالية ، من المناطق العازلة او الفاصلة، وهي التغييرات الجذرية التي سوف تكتسب مع الوقت شرعية الأمر الواقع كما فعلت في الجولان السورية ..
واتصور ان ذلك المخطط سوف يتعزز بالتوسع في بناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية والتي سوف تتيح لإسرائيل إقامة خطوط دفاعية متقدمة كما تفعل في كل مناطق احتلالها.
يحدث كل ذلك او يوشك ان يحدث ، وسط ردود فعل عربية ميتة وعلاقات عربية عربية تمر باسوأ حالاتها واوضاعها ، ومع نظم حكم عربية تضمر العداء لبعضها ، وإلي الحد الذي يعتبر بعضها نفسه اقرب لإسرائيل واكثر ثقة فيها من ثقتها في نظم عربية دابوا علي وصفها بالشقيقة وهي ليست في الحقيقة كذلك ..
وهكذا تستحيل فكرة العمل او التنسيق العربي المشترك في هذه الأجواء السياسية العربية المريضة والمسمومة لا في امور الدفاع ولا في اي مجال آخر .. وهو ما تبني إسرائيل عليه قراراتها وحساباتها للموقف الراهن.
واما ردود الفعل الإقليمية والدولية مما يدور في غزة ، فإنها ليست تحسن حالا بكثير .. فايران تحاول وبكل الوسائل الممكنة تجنب التورط في حرب مع إسرائيل وامريكا قد تجلب لها من الدمار الشامل ما سوف تكون له عواقبه الوخيمة عليها ، ويؤكد ذلك التصريح الرسمي الأخير الصادر عنها بأنه لا دخل لإيران بما يجري علي الحدود اللبنانية الإسرائيلية وان حزب الله قادر علي الدفاع عن نفسه في مواجهة إسرائيل ..
واما بالنسبة لتركيا ، فانها تداور وتناور علي طريقة أردوغان المعروفة عنه ، لتمسك بالعصا من الوسط دون ان تلزم نفسها بأي تعهدات او مواقف معينة ، خاصة وأنه تجمعها بإسرائيل روابط أمنية وثيقة وان حاولت التستر عليها واخفاءها لزوم ما تفرضه عليها مقتضيات الموقف الراهن.
واما الصين وروسيا ، فإنهما تعيشان في عالمهما الخاص بهما من الشواغل الأمنية وغيرها من الاهتمامات والأولويات التي لا تجعل للحرب علي غزة موقعا مهما بينها.
واما الأمم المتحدة فتكاد تكون واقعة بكل اجهزتها تحت السيطرة الأمريكية الكاملة عليها مما يجعلها اشبه بمنطمة أمريكية او كأحد أذرع السياسة الخارجية الأمريكية منها كمنظمة عالمية تمثل المجتمع الدولي كله وتعبر بأمانة وصدق عن مختلف توجهاته ومواقفه.
واما ما عدا ذلك من مواقف إيجابية ومتعاطفة من بعض دول أمريكا اللاتينية او افريقيا مع الجانب الفلسطيني في هذا الصراع فأنه يبقي ذا دلالة رمزية بالأساس ، ولا يشكل عامل ضغط مؤثر نحو وقف هذه الحرب العدوانية المدمرة من حروب الإبادة الجماعية الشاملة.
فالحرب مستمرة علي الرغم من كل تلك الادانات الدولية التي اتسع مداها في الشهور الثلاثة الأخيرة .. ولولا الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل علي طول الخط لكانت هذه الحرب علي غزة قد توقفت وانتهت ..
فهي القوة المحركة والداعمة لها والمحرضة عليها من البداية إلي النهاية .. وكأنها أرادت بها ، إبعاد إسرائيل عن الحرب ضد إيران والتي كان لا بد وان تجر أمريكا رغم انفها إليها لتحارب معها.
وهو ما ظلت أمريكا تقاومه وترفضه ، وجاءت الحرب علي غزة لتخرجها من ورطتها وتتيح لها الحل الذي كانت تبحث عنه او هذا هو ما اتصوره في محاولة فهم دوافع وأسباب كل هذا الدعم الأمريكي غير المشروط للإسرائيليين في حربهم علي غزة.٠
والسؤال هو ماذا بعد هذا كله لنراهن عليه ، او لنتفاءل به او لنرجوا خيرا من ورائه ؟.. هذا هو السؤال.