مقالات

علي هامش الإنتخابات الرئاسية الأمريكية

✍️ يوحنا عزمي

اعطت محاولة الاغتيال الفاشلة للمرشح الرئاسي الجمهوري الرئييس الأمريكي السابق دونالد ترامب ، انتخابات الرئاسة الأمريكية زخما قويا لم يكن واردا     في حسابات المسئولين عن التخطيط لهذه الحملات الانتخابية الرئاسية ، وهي الحملات التي تستنزف الكثير من الجهد والمال الذي يأتي معظمه او كله من تبرعات المانحين علي الجانبين ممن لهم مصلحة في فوز هذا المرشح الرئاسي او ذاك.

حصل الرئيس السابق ترامب علي الترشيح الرسمي للحزب الجمهوري خلال المؤتمر الذي عقده الحزب في ميلووكي بولاية ويسكونسن الأمريكية ، وكانت الأجواء الاحتفالية للمؤتمر مبهرة للغاية وتؤشر بالكثير من المعاني والدلالات السياسية المهمة ..

ومنها ان الحزب الجمهوري يبدو الآن في افضل حالاته المعنوية واكثرها وحدة وتماسكا بالتفافه حول مرشحه دونالد ترامب ونائبه الشاب جي دي فانس السيناتور الجمهوري عن ولاية اوهايو ، ولم يكن ذلك ليحدث لولا الكاريزما الكبيرة التي يتمتع بها ترامب في أوساط الناخبين الجمهوريين وثقتهم في قدرته علي انجاز برنامجه الإنتخابي الرئاسي الذي وضع شعارا له هو لنجعل امريكا دولة عظيمة من جديد .. وهو شعار يعني بالنسبة لمؤيديه ما يعنيه.

اما الحزب الديموقراطي ، فإن صورته الحالية في عيون الأمريكيين وفي أوساط ناخبيه تبدو علي العكس من ذلك تماما فالحزب لم يكن يوما اكثر انقساما حول مرشحه الرئاسي في هذه المرحلة الحرجة للغاية ، مثلما هو عليه الآن مع رئيس حالي متراجع الاداء ومتدهور صحيا وعقليا حتي لا تكاد قدماه تقويان علي حمله وكثرت زلات لسانه حتي اصبحت موضع تندر العالم كله عليه وهو ما يحرج الأمريكيين لأنه يسئ إلي صورة رئيسهم وينال من هيبته ومكانته وسمعته ..

وفي ظل هذا الانقسام بين من يريدون تنحيته واقصاءه من هذا السباق الانتخابي ومن لا يزالون علي دعمهم له لاعتبارات يقدرونها ويخشون من تداعياتها بالنسبة لموقف وقرارات الناخبين الديموقراطيين ، توقف بعض كبار المانحين عن تقديم التبرعات لحملة بايدن الانتخابية لعدم اقتناعهم بأنه بات جديرا بحصوله علي دعمهم له .. وهناك عدد متزايد من الشيوخ والنواب الديموقراطيين يطالبونه بالانسحاب لكنه يرفض بعناد مصمما علي إنه  هو وحده من يستطيع ان يهزم ترامب .. 

وعما قريب سوف ينعقد مؤتمر الحزب الديموقراطي لاختيار مرشحه الرئاسي الذي سوف يتقدم به إلي الشعب الأمريكي رسميا وسوف يذهب المندوبون إلي المؤتمر وهم منقسمون علي انفسهم ولا يعرفون إلي ماذا سوف ينتهي بهم الأمر هناك في ظل كل هذا الغموض والضباب السياسي الذي يغلف موقف رئيسهم من هذا الأمر الجلل .

ولا اشك في انهم سوف يلتقون وهم جميعا علي اقتناع ، سواء عبروا عنه صراحة او لم يعلنوه، بان ترشيحهم للرئيس بايدن سوف يعني انهم حسموا نتائج هذا الانتخابات الرئاسية لصالح منافسه حتي من قبل ان   تبدأ وانهم لم يتصرفوا بما كان عليهم ان يتصرفوا به لانقاذ ما يمكنهم انقاذه ..

فالولايات المتأرجحة بين الحزبين ومنها بعض الولايات المهمة تصويتيا ، وكذلك الناخبون المترددون الذين لم يحسموا اختياراتهم بعد سوف يعطون اصواتهم علي الأرجح للرئيس السابق دونالد ترامب ولن يضيعوها باعطائها لبايدن.

وإذا كانت هذه هي الصورة العامة للانتخابات الرئاسية الأمريكية حتي هذه اللحظة حيث تميل الكفة اكثر لصالح ترامب ، فهل تحدث مفاجاة في اللحظة الأخيرة لم تكن واردة في الحسبان ؟

لا اعتقد إلا إذا حدث لبايدن مثلما حدث أخيراً لترامب وربما بشكل درامي اكبر ، ووقتها لن نكون امام معركة انتخابات رئاسية ككل المعارك الانتخابية الرئاسية التي شهدتها أمريكا في الماضي ومرت بسلام في عملية تداول هادئ للسلطة بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري ، وانما سنكون أمام مستنقع مخيف من العنف والفوضي الذي لم تعرفه امريكا في تاريخها ..

وهو ما سوف يقدم مؤشراً عمليا إلي العالم بأن أمريكا   قد تغيرت كثيرا من داخلها ولم تعد النموذج الديموقراطي المثالي الذي يحتذي به والذي ظلت امريكا تحاول ان تبهر به العالم وان تجذبه وراءها وان هذا المناخ السياسي الغريب من التوتر والعنف والصراع ومن التلاسن والتراشق اللفظي ومن التجريح والتشهير والتشكيك وعدم الإحترام بما لم نسمع به اطلاقا من قبل بين مرشحين رئاسيين أمريكيين علي كثرة من عرفناهم منهم ، ليس علامة ايجابية علي مدي ما بلغته حرية الرأي والتعبير في امريكا حيث سقطت كل الخطوط الحمراء والزرقاء ، وانما قد يكون هو بداية الانزلاق علي طريق غير معروف النهاية من التراجع والتدهور والانحدار وإذا كان الكثير في هذا العالم قد تغير او يتغير نحو الاسوإ ، فإن امريكا ليست استثناءا مما يحدث في العالم.

ولنكن علي اقتناع لا يخالجه أدني شك بأن من ينشر الفوضي والعنف في العالم ويدمر دولاً ومجتمعات كاملة به بذريعة الدفاع عن الديموقراطية ضد الدكتاتورية وعن الحرية ضد الإستبداد ، وعن السلام ضد العنف ، وهو يعلم أنه كاذب في كل ما يزعمه ويحاول ان يخدع العالم ويضلله به ، فإنه لا بد وان يناله في النهاية نصيبه منها او يدفع ثمنا له من سلمه وأمنه واستقراره الداخلي .. وهو ما نشهد بداياته وعلاماته الآن وبوضوح كاف لا يمكن للعين ان تخطئه.

فما يحدث علي الساحة السياسية الأمريكية حاليا من تحولات وتراجعات مهمة وغير مسبوقة في طبيعتها ومداها وفي ما تنذر به من نتائج في المستقبل المنظور يتجاوز بايدن وترامب كمرشحين رئاسيين ، والحزبين الديموقراطي والجمهوري إلي ما هو اكبر واخطر منهم جميعا بكثير او هذا علي الأقل هو ما أراه واتوقعه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!