✍️ يوحنا عزمي
بينما كان الجيش الأمريكي ينتشر في مدينة تولسا جنوب وسط الولايات المتحدة ، ويفرض الأحكام العرفية عقب مذبحة تولسا العرقية يومي 31 مايو – 1 يونيو 1921، حيث وزعت الشركات الأمريكية العاملة في ولاية اوكلاهوما طائراتها الخاصة للمتطرفين البيض من اجل قصف مناطق السود بالمدينة خاصة مربع جرينوود او “وول ستريت السود” كما أطلق عليه لأنه معقل الأثرياء السود بالمدينة ، كانت دوائر واشنطن تجتمع بعيداً عن إدارة الرئيس الأمريكي وارن هاردينج.
الاشتباكات بين الأمريكان البيض والسود في اوكلاهوما كانت الابشع منذ فترة طويلة شهدت هدوء نسبي في ملف التوتر العنصري ، وأتت تلك الاضطرابات في توقيت صعب على الولايات المتحدة ، فالرئيس وارن هاردينج الذى أدى اليمين في 4 مارس 1921 فحسب هو شخص ضعيف للغاية ، دخل السياسة مدللاً بناء على سيرة والده رجل الاعمال وصاحب السيرة الحسنة في الجيش وللمفارقة فأن الابن المدلل وجد الطريق سهلاً الى البيت الأبيض بعد ان استكمل نفوذ والده الاقتصادي والعسكري بالارتماء في حضن لوبي النفط في جنوب أمريكا وقبل املاءات هذا اللوبي على إدارته في كل شيء بما في ذلك تعيين البرت بيكون فال وزيراً للداخلية ونقل سيادة الحكومة الامريكية على منابع النفط المحلية الى تلك الوزارة.
ولم يصمت الحزب الديموقراطي الأمريكي على هذه اللعبة وبدأ في الكونجرس مسائلة لما يجرى ، عرفت تحت اسم فضيحة ابريق الشاي حيث تم استجواب الوزير ولوبي اباطرة النفط في الجنوب اما الرئيس فقد توفى بشكل غامض في أغسطس 1923 عن 57 عاماً فحسب لتغلق أبواب القضية ، ولكن السياسي المدلل استطاع خلال عامين في البيت الأبيض ان يتفرغ لاستئناف علاقته مع عشيقته كارى فيليبس ، ولما فاحت رائحة الفضيحة ابتعد هنا واستخدم رجال الشرطة السرية في البيت الأبيض من أجل إقامة علاقة طويلة مع المؤرخة نان بريتون في الغرف الملحقة بالمكتب البيضاوي بالبيت الأبيض لتسفر العلاقة عن ابنته غير الشرعية اليزابيث.
هكذا بينما البلاد تحترق كان لوبي النفط يسيطر على الرئيس المتفرغ بدوره لقضاء ليالي حمراء في البيت الأبيض تحت حراسة شرطة المؤسسة الرئاسية ، لذا كان منطقياً ان تقرر دوائر اعلى من الرئاسة ولوبي النفط في أمريكا ان تناقش تلك الكارثة العنصرية التي مثلت مع عوامل أخرى أسباب تأخر صعود أمريكا لقيادة العالم رغم الدور الرئيس لواشنطن في حسم الحرب العالمية الأولي عام 1918 ورسم سياسات عالم ما بعد الحرب الكبرى.
وجرى الاتفاق بين تلك الدوائر ، التي تمثل شبكات مصالح صنعت الولايات المتحدة وتديرها نيابة عن النظام العالمي ، أنه حان الوقت لخلق وصناعة جيل جديد من السود ، او ما يطلق عليه الأمريكان الافارقة يكون موالياً لشبكات المصالح او نخبة واشنطن ، يلعب دور الطابور الخامس داخل الأمريكان السود ويكون موالياً للحكومات وليس معارضاً لها او يسبب لواشنطن صدام دائم حيال حقوق الأقليات وحقوق السود.
أمام المأزق التاريخي للولايات المتحدة بسبب انتشار العنصرية البيضاء والفاشية البيضاء ونظرية سيادة الجنس الأبيض على باقي اجناس البشرية، فأن الأصوات بدأت تتعالى عقب مذبحة تولسا سراً في واشنطن بأنه يجب ابتكار “عنصرية سوداء” و”فاشية سوداء” موالية للنظام الغربي حتى تمارس تلك النخبة السوداء نفس العنصرية الغربية ولكن برداء اسود.
وراحت دوائر أمريكية بيضاء تسعي جاهدة إلى وضع منهج للنخبة السوداء، أولها انه يجب على هؤلاء السود ان يحملوا إدانة للمواطن الأمريكي الأسود ، وان مشاكله ليس سببها الحكومة ولكن سببها المواطن الأمريكي الأسود نفسه بسبب فقره وجهله وافكاره القديمة وانه عليه ان يغير من نفسه اولاً وينتهز فرص التحول المدني في أمريكا من اجل ان تنتهي معاناة الأمريكان السود، كل هذا دون أدني إدانة للعرق الأبيض او انكار اياً من سياسته الداخلية او الخارجية بل يتم استئناف تلك السياسات داخل وخارج أمريكا دون ان تشهد أمريكا محلياً ودولياً أي تغيير جراء صعود الجنس الأسود ديموجرافياً او سياسياً.
وكما جرت العادة في الغرب ، تبدأ كافة الأفكار والمؤامرات في الأروقة الأكاديمية اولاً ، حيث تم انتقاء عدداً من السود الموتورين من اجل سن “مانفيستو الفاشية السوداء”، وراحت الكتابات الاكاديمية الأمريكية على يد مثقفين سود تتوالى تباعاً حول الأصول السوداء لكل علوم العالم والدنيا والتاريخ ، وان المسيح كان أسود ، وان الحضارة المصرية القديمة كانت حضارة الشعوب الأفريقية التي استوطنت واحتلت مصر وان الشعب المصري الحقيقي هو ذو البشرة السوداء فحسب ، اما أصحاب البشرة البيضاء فهم أبناء الإحتلال اليوناني والروماني والعربي لمصر.
وحتى حينما قدم هؤلاء الأكاديميين السود تاريخ الحضارة المصرية القديمة إلى الشعب الأمريكي وكيف ان قدماء المصريين هم أصل الحضارة اليونانية القديمة حينما سرق فلاسفة اليونان من مصر القديمة العلوم واللغات والفلسفة ، أتى ذلك تحت عنوان “الأصول السوداء لأثينا” و”أثينا السوداء” وليس “الأصول المصرية لأثينا” او أصول المصرية للحضارة اليونانية او “اثينا المصرية”
وبعد 2000 عام على الأقل من تداول اسم مصر في الغرب قبل الشرق باسمها المعروف تاريخياً ، خرج الأكاديميين الأمريكان السود من مقاعدهم الوثيرة في الولايات المتحدة يؤكدون ان مصر اسمها الأصلي هو الأرض السوداء او “كيميت” هو مصطلح محرف أطلقه بعض المصريين على مصر لفترة من الوقت كما اطلق بعض المصريين على مصر مصطلح “المحروسة” دون الغاء اسم مصر لبعض الوقت.
وتم حقن مصطلح كيميت او الأرض السوداء ضمن قواميس الصوابية السياسية التي اجتاحت العالم لاحقاً ، حينما قرر النظام العالمي توظيف أفكار الفاشية السوداء في مخططات الإبادة الثقافية للدول المستهدفة وعلى رأسها مصر ، وتبنت بعض النخب المأجورة فكرة تغيير اسم اقدم دولة في التاريخ من مصر إلى كيميت تحت ادعاء أنه الإسم الأصلي لمصر ، واصبح من سمات ادعاء العمق والوجاهة الاجتماعية والثقافة والتنوير والعلمانية في مصر القرن الحادي والعشرين هو الحديث عن “القومية الكيميتة” و”الأصول الكيميتية” و”الملامح الكيميتية”، ومثل كافة الأكاذيب الغربية المتعلق بالحضارة المصرية القديمة ، فإن هنالك طابور من الأثريين والمرشدين السياحيين تبنوا الفكرة واضافوها لمناهجهم الاكاديمية الضامرة ، كل هذا من اجل تسمية مصر إلى “الأرض السوداء” وخدمة اجندة الفاشية الأمريكية السوداء الموازية للفاشية الأمريكية البيضاء.
مع استراتيجية “المسيح الأسود” و”الشعب الأفريقي الذى غزا مصر وصنع حضارة كيميت التي غزت العالم”، وان الشعوب الافريقية هي التي بنت الأهرامات وان كافة ملوك مصر القديمة سود البشرة واي ملك أبيض البشرة لم يكن مصرياً كما صدع بعض مثقفو أمريكا حينما رأوا مومياء توت عنخ آمون ، بدأت تظهر حركات حقوقية للأمريكان السود ولكن تحت سيطرة النخب البيضاء .
كان مارتن لوثر كينج الموجة الأولى ، ولم يكن تحت السيطرة بنسبة 100 % كما الحال مع الموجة الثانية ، ولكنه كان ابن إستراتيجية ابتكار “نسخة سوداء من الفاشية البيضاء”، اذ على سبيل المثال كان مارتن لوثر كينج يرى ان معركة السود واليهود واحدة ، وانه كما يناضل السود في الولايات المتحدة ضد التطرف الأبيض فأن اليهود يناضلون في الشرق الأوسط ضد التطرف العربي والإسلامي ، وكان يتبني رؤي صهيونية خالصة حول حق يهود العالم في إقامة دولة خاصة بهم في فلسطين تحت اسم إسرائيل.
لن تجد لرائد حقوق الأمريكان السود مارتن لوثر كينج تصريح واحد متعاطف مع الشعب الفلسطيني ، فهو يتحدث عنهم بشكل صهيوني خالص كما يفعل المحافظين البيض والمتطرفين البيض في الأحزاب المحافظة الامريكية والبريطانية على حد سواء.
وكان ظهور مارتن لوثر كينج وتصعيده في الولايات المتحدة أمر مهم في الحرب الثقافية الخاصة بالحرب الباردة ، اذ ان تشى جيفارا الرمز الثوري لكوبا السوفيتية قد صرح مراراً باحتقاره للشعوب الأفريقية والرجل الأسود ، وذلك لأن النظام الكوبي الذى ثأر عليه فيدل كاسترو وجيفارا كان يحترم حقوق السود ويقرب بعض الساسة السود إلى مجلس وزرائه ، بينما جيفارا كان يرى ان التودد واحترام السود جزء من مظاهر رأسمالية منحلة كما الحال مع التودد للمثليين بحسب رؤى جيفارا .
وبالتالي فأن وجود رجل اسود مناصر لحقوق السود في كوبا ومؤيد لليهود كان رمزاً مضاداً لرمزية جيفارا داخل الولايات المتحدة وكوبا حيث دشنت ثورة كاسترو وجيفارا بعض معسكرات العمل القسري للسود والمثليين – على نفس نمط الفاشيين البيض الأمريكان والنازية الاشتراكية الألمانية – بتواطؤ من الإتحاد السوفيتي.
ولم ترض القوى المحافظة واليمينة البيضاء التقليدية في أمريكا بلعبة صناعة فاشية سوداء حتى لو كانت تنفذ اجندة العولمة او الأجندة الدولية لأمريكا ، ووجد النظام العالمي ان صراع الفاشية البيضاء والفاشية السوداء مهم لإبقاء أمريكا تحت السيطرة والحفاظ على التوتر الداخلي ، وبالتالي فأن اغتيال مارتن لوثر كينج بعد ان أدى مهمته وأصبح كارت محروق قد اتى لصالح إعادة الحراك لقضايا السود ، وتحولت الدعوات لإعطاء الأمريكان السود حقوقهم إلى صراع بين البيض والسود على تنفيذ أجندة الفاشية الأمريكية داخلياً وخارجياً.
وللمفارقة فأن مارتن لوثر كينج حينما تحرك ما بين عامي 1957 و1968 للدعوة الى حقوق الأمريكان السود ، أسس وترأس “لقاء القيادات الجنوبية المسيحية” باعتبارها المنظمة التي سوف تحمي السود، حيث نظر إلى حركة حقوق السود باعتبارها ضمن ايدولوجيا “المسيحية الجنوبية” ولكن ماذا عن السود غير المسيحيين؟
ماذا عن السود المسلمين او السود اليهود او حتى السود الملاحدة في دولة بها اعتراف مدني بالملحدين البيض مثل أمريكا ؟
هكذا وللمفارقة فأن مارتن لوثر كينج بحركته الحقوقية قد أزكى تيار المحافظين الجدد ومعاقله في الجنوب وفتح الباب والطريق أمام السود للإنضمام إلى أيديولوجيا المحافظين الجدد والمسيحية السياسية والتطرف المسيحي الذي يخدم الأجندة الامريكية.
ولعل الجيل الثاني من صناعة الفاشية السوداء كان حاسماً في اظهار معالم تلك اللعبة ، هو جيل الجنرال كولين باول والمفكرة الاستراتيجية كونداليزا رايس والرئيس باراك أوباما والسفيرة سوزان رايس ، وهي أسماء لم تقدم أي شيء لقضايا السود طيلة عملهم في إدارات ريجان وكلنتون واوباما، وبوش الأب والإبن بل ان سنوات أوباما هي أكثر سنوات في تاريخ أمريكا منذ عقود ينتفض فيها الأمريكان ضد مقتل السود العزل على يد الشرطة الأمريكية.
ان غزو العراق وأفغانستان على يد أمريكا خدمة للنظام الدولي وشبكات المصالح الغربية والعولمة والرأسمالية الدولية ولاحقاً حروب الربيع العربي واستنزاف مصر وسوريا والعراق ولبنان واليمن وتونس وليبيا والبحرين والسعودية قد جرى عبر ساسة سود في إدارة بوش الإبن واوباما ، نفذ الفاشيين السود الأمريكان نفس سياسات الفاشيين البيض الأمريكان.
هل هنالك فارق بين أفكار البيضاء هيلاري كلنتون والسوداء كونداليزا رايس حينما تناوبوا على منصب وزير خارجية أمريكا ؟
هل هنالك فارق بين أفكار الأبيض هنري كسينجر والأسود كولين باول حينما احتل كلاهما منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض؟
هل هنالك فارق بين الأبيض جورج بوش الإبن والأسود باراك حسين أوباما ؟
هل تتوقع وجود فارق بين لويد اوستن وزير الدفاع الأسود في إدارة بايدن ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأبيض في إدارة بوش الابن ؟
او بين ديك تشيني نائب الرئيس بوش الإبن وكامالا هاريس النائبة السوداء في إدارة جو بايدن؟
ان الغرب حينما تخوف من الأفكار الوطنية القومية لإدارة دونالد ترامب ، لم يجد خيراً من الفاشية السوداء داخل المجتمع الأمريكي من اجل ان تتعاون مع اليسار التقدمي لوقف المد القومي داخل أمريكا وداخل المجتمع الغربي برمته ، وللمفارقة فأن الغرب الذى استخدم الفاشية البيضاء وميلشيات تلك الفاشية من اجل لجم المطالب الحقوقية لدى الأقليات السوداء في الدول الغربية ، هو نفسه الغرب الذى اطلق العنان لمليشيات السود من اجل تنفيذ الفوضى البناءة داخل الولايات المتحدة نفسها اثناء مظاهرات الغضب لمقتل الأسود جورج فلويد .
حيث انتشر السود حاملين السلاح في اغلب الولايات الأمريكية وهددوا وروعوا ونهبوا المحال والبيوت المملوكة للسكان البيض من اجل ترهيبهم واخضاعهم وتخوفيهم من استمرار عصر ترامب او التجرؤ على إعادة انتخابه في انتخابات نوفمبر 2020 ، ليمزق الأمريكان السود والفاشية السوداء السلم الأهلي والتحضر الأمريكي وتتحول الولايات المتحدة طيلة صيف 2020 الى لوحة من لوحات الانفلات الأمني والاضطرابات العرقية والعنصرية التي مارسها السود بحق البيض كما لو كانت الفاشية السوداء تنفذ نفس كتالوج الربيع العربي والفوضى الخلاقة ولكن داخل الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة.
ولقد نشر التحالف المعارض لترامب والذى تحول اليوم إلى العصب الأيديولوجي لإدارة بايدن مجموعة أفكار أصبحت ضمن قواميس الصوابية السياسية ، منها الشعور بالذنب والدونية واحتقار الذات أمام السود ، حيث انتشرت صور لبايدن ومسؤولي حزبه وإدارته البيض وهم يجثون على ركبهم أمام السود ، بينما انتشرت في مظاهرات جورج فلويد صور لنساء بيض وهم يلعقون ارجل رجال سود ويطالبون منهم العفو والمغفرة عن أخطاء الرجل الأبيض بحق السود طيلة تاريخ أمريكا.
والملاحظ هنا ان هنالك تلميح لـ”الذكورية السوداء” استغلالاً لحكايات الشعبية عن فحولة الرجل الأسود وهى قصص مردود عليها علمياً بأنه لا يوجد أي تفوق للرجل الأسود على الرجل الأبيض في القدرات الجنسية ، ولكن المعارضة الأمريكية لترامب استغلت الروايات الشعبية والجهل الشعبي لتمجيد السود وتحويل السكان البيض الأمريكان إلى اكبر أمة مصابة بعقدة الذنب حيال السود من اجل تمكينهم سياسياً وانتخابهم في كل المناصب والبرلمانات الممكنة.
هي نفس لعبة بث عقدة الذنب لدى أوروبا والرجل الأبيض حيال اليهود في القرن العشرين ، من أجل تأسيس دولة إسرائيل واستخدام الغرب لليهود واليهودية السياسية والحركة الصهيونية والرأسمالية اليهودية في صناعة إسرائيل من اجل صناعة صدع دائم داخل الشرق الأوسط يخدم لعبة فرق تسد الغربية ، وكأن التاريخ يقول لنا صراحة ان “السود هم يهود القرن الحادي والعشرين” بعد ان اتمت اليهودية السياسية والحركة الصهيونية ودولة إسرائيل مهمتها وهى عاجزة عن تقديم أي مساعدة للغرب في مواجهة المد الوطني والقومي على ايدي القوي القومية الصاعدة ، لذا كان الحل هو اللجوء الى القومية السوداء والفاشية السوداء حتى لو أدى الأمر إلى نسف هوية أمريكا كدولة البيض البروتستانت الانجلوساكسون وتحويلها إلى دولة ذات أغلبية سوداء وكذا الحال مع فرنسا الفرنكوفونية التي يسعى الغرب إلى سحق التيار القومي الفرنسي فيها عبر تكرار لعبة الفاشية السوداء وتكرار سيناريو الولايات المتحدة السوداء.
وتلعب شبكة نتفليكس دور هام للغاية في الترويج لسيادة الجنس الأسود على الجنس الأبيض في القرن الحادي والعشرين إلى جانب منتجات هوليود الرقمية التي لم تكتف بالتماهي مع قواميس الصوابية السياسية حول حقن مشاهد وشخصيات مثلية في اغلب الأعمال الفنية فحسب ، ولكن يجب ان يكون الطرف المذكر في علاقات الشذوذ الجنسي هو رجل اسود بينما الطرف المؤنث هو رجل أبيض ووصل الامر استغلالا لمساحات الحرية الفنية ان يتم تصوير مشاهد مضاجعة رجال سود لرجال بيض عبر المسلسلات مثل مسلسل watchmen وكأنه اصبح مطلوباً على الرجل الأبيض في الغرب ان يوافق علي ان يضاجعه او يغتصبه رجل اسود اعتذاراً على أخطاء البيض بحق السود في عصور مضت.
تقول الأرقام الامريكية ان 6 % من سكان أمريكا يرتكبون 50 % من جرائم القتل سنوياً، الـ 6 % هم امريكان سود ، في واقع الأمر ان نسبة عمل الأمريكان السود في الجريمة داخل أمريكا أصبح ملف لا يمكن لشبكات مثل الــ CNN الحديث عنه في ظل لعبة تمكين السود سياسياً لفرملة المد القومي الوطني داخل المجتمع الأمريكي.
ان لعبة صناعة نخبة من الفئات المستهدف اسكاتها ، على ان تكون نخبة موالية للعولمة تقوم بنفس دور نخب العولمة من أدوار وثقافات امبريالية ، قد جرت ايضاً على الشرق الأوسط ، حيث جرى إطلاق مشروع “عرب أمريكا الليبراليين”، وهم مجموعة مثقفين عرب ومسلمين ، حملوا الجنسية الأمريكية بالميلاد او الإقامة او لا يحملون الجنسية ولكن امتلكوا حق الإقامة في أمريكا طيلة الوقت او لبضعة سنوات ، يقومون ببث نفس الأيديولوجيا في عقول الشعوب الشرقية سواء العرب او المسلمين ، بأن مشاكل الشرق الأوسط مع الغرب لا تنبع من الاستعمار الغربي ، ولكن لأن مشاكل الشرق الحقيقية هو غياب الحرية والديموقراطية والمجتمع المدني وهى الأفكار التي أعادت صياغتها السوداء كونداليزا رايس حينما كانت مستشارة للأمن القومي في إدارة بوش الإبن بأن الإرهاب في الشرق الأوسط ليس صناعة غربية وان الإسلام السياسي ليس صناعة غربية ولكنه نتاج غياب الديموقراطية وحقوق الإنسان رغم ان المكتبة الأمريكية والبريطانية قبل المصرية والعربية مليئة بالكتب التي تنشر وثائق أمريكية وبريطانية والمانية عن كيفية صناعة الغرب للإرهاب الإسلامي والإسلام السياسي منذ القرن الثامن عشر خدمة للأجندات الغربية.
وكما فعل الأمريكان السود ، يرى الليبراليين العرب الذين صنعوا في هذا المشروع الأمريكي ان الأجندة الأمريكية والرؤى الأمريكية للشرق الأوسط هي الحل وليست المشكلة ، وقد ظهروا بكثافة في الصحافة والإعلام الأمريكي في سنوات إدارة بوش الإبن الأولي بترتيب من كونداليزا رايس ، حيث رأوا ان العراق بحاجة إلى ليبرالية وديموقراطية حتى لو حدثت عبر الإحتلال الأمريكي.
وللمفارقة فأن احدى رجالات طبقة “الليبراليين العرب” الموالين للغرب هو البروفيسور الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد والمفارقة هنا أنه كان استاذاً واباً اكاديمياً لباراك أوباما.
تنظيم “عرب أمريكا الليبراليين” ضم فؤاد عجمي الذي كتب ورقة بحثية عشية الغزو الأمريكي للعراق يرى ان مشاكل العراق تكمن في نظامه الشمولي وان غياب النموذج الديموقراطي الأمريكي عن العراق هو سبب مشاكله ، كما يضم كنعان مكية الذي دعا الى اجتثاث الثقافة واللغة العربية من العراق ، وتضم المجموعة ذاتها ميخائيل نعيمة والعفيف الأخضر والنابلسي شاكر ومأمون فندي اثناء إقامته بالولايات المتحدة في سنوات بوش الابن.
وعقب الغزو الأمريكي للعراق ، نشأت طبقة أخرى بعيدة عن الليبرالية ، هي نخب السفارات الأمريكية بالشرق الأوسط يلعبون الدور ذاته في الترويج للمشروع الأمريكي باعتباره الحل ، وان المشكلة ليست في محاولات الغرب لاستعمار الشرق او ضرب تجاربه الوطنية والاقتصادية ولكن مشاكل الشعوب الشرقية في عدم قبول المؤامرة الغربية باعتبارها الحل الأمثل وان الاملاءات الغربية يجب ان تنفذ باعتبارها ديموقراطية وحقوق إنسان ومجتمع مدني وثورة ضد تخلف الإنسان العربي.
ولا يخفى على أحد ان تنظيم “عرب أمريكا” قد تمت هيكلته واسلمته في سنوات أوباما ولعب دوراً مهما في سنوات ترامب عبر حشد العرب والمسلمين ضد التيار القومي الأمريكي واسقاطه عبر صناديق انتخابات الرئاسة والكونجرس نوفمبر 2020.
وفى مرحلة لاحقة من تاريخ أمريكا حينما تحترق ورقة الأمريكان الافريكان السود ، هنالك نخبة ثالثة جاهزة من الأمريكان اللاتين للعب الدور ذاته ، وان مشروع الولايات الأمريكية السوداء حينما ينتهي غرضه سوف يلحقه مشروع الولايات الأمريكية اللاتينية ولا يستغرب ان نرى لاحقاً الولايات الأمريكية الإسلامية ، طالما هنالك فاشية ليبرالية وفاشية سوداء وفاشية لاتينية وفاشية إسلامية تلعب لصالح العولمة والنظام الدولي وشبكات المصالح الغربية والرأسمالية الدولية فلا مشكلة ان تتولي القيادة في واشنطن.