✍️ يوحنا عزمي
لو كتبنا مليون مقال ، لن تكون مقنعة كما هي المعطيات اليوم على الأرض في سوريا ، 8 ديسمبر 2024 خان وهروب بشار الأسد وفى اليوم ذاته دخل أبو محمد الجولاني إلى دمشق تحت يده كل مؤسسات الدولة .. قصور الرئاسة ومقر مجلس الوزراء والبرلمان والمحكمة الدستورية العليا وحتى اى ميدان عام من الميادين التي يدعي العدو انها شهدت مظاهرات ما ضد الأسد.
ولكنه اختار المسجد الاموي .. ليوضح لكم هوية ما هو قادم وان الجمهورية العربية السورية قد أصبحت الجمهورية الإسلامية السورية.
تم تعيين رئيس وزراء جبهة النصرة رئيساً للحكومة السورية ، رجل إخواني قح ، اول دقنجي وإخواني يرأس الحكومة السورية، محمد البشير الذى تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو التي يطبل فيها لسيده العميل البريطاني الشهير حسن البنا.
تهافت الإسلاميين/الاسلامجية/الاسلامويين/الإخوان على السلطة يظل امر مثير للدهشة ، كم من “طبخة” دمرت بسبب هذا التهافت ولكن الأمر مفهوم ، الجولاني يحجز المقعد لصالح جماعته.
قبيل هروب الأسد والجيش السوري ، كان هنالك ثلاث حكومات في شمال سوريا ، الأولي في ادلب تابعة لجبهة النصرة ، الثانية في حلب تابعة لائتلاف المعارضة والجيش السوري الحر ، الثالثة في الحسكة تابعة لإدارة إقليم شرق وشمال سوريا.
سارع الجولاني إلى دمشق وإلى تنصيب رئيس وزرائه في المنصب وبعدها بعدة ساعات فحسب ، أعلن ائتلاف المعارضة في حلب أنه لم تتم استشارته في تسمية محمد البشير رئيساً للوزراء ، علماً بأن الجولاني لم يكن يقود الجماعات الإرهابية وحده، فقد كان الائتلاف وجناحه العسكري “الجيش السوري الحر” شريكاً معه ، ولكنه الصراع على الكعكة الذى بدأ من اللحظة الاولي ، من اللقطة الأولى من داخل المسجد الاموي.
لم يتسلم الجولاني أي منصب ولن يستلم ، هو اليوم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السورية ، استبدل الأمريكان مرشد طهران بمرشد النصرة على رأس الدولة السورية.
اما اللقطة الثالثة ، فكانت العدوان الإسرائيلي على سوريا ، والتي صنفها البعض بأنها اكبر عملية جوية في التاريخ ، 350 غارة جوية حتى لحظة كتابة تلك السطور ، الغرض هو تدمير كل ما تبقا من الجيش السوري ، سواء القواعد العسكرية او المطارات الحربية ، الأسلحة بداية من مخازن المسدسات والبنادق مروراً بالطائرات والبوارج البحرية وصولاً إلى ما تبقا من برنامج الصواريخ والأسلحة الكيميائية ، إضافة إلى ما يمكن استهدافه بحق البنية التحتية وأي قدرات مستقبلية لقيام جيش وطني سوري او برامج تسليح سورية.
لم تكن سوريا تشكل خطر على إسرائيل ، ولكن تل ابيب تقوم بمصادرة مستقبل سوريا لصالحها من جهة ، ومن جهة أخرى لا تفكر قط في أفعال إسرائيل باعتبارها شأن إسرائيلي فحسب ، فإسرائيل إداه للغرب ، والغرب لا يريد جيوش وطنية ولا دول وطنية بوجه عام ، وبوجه خاص في المشرق لا يريد أي إمكانية لقيام أي شيء من الحطام والركام ، وبالتالي فأن تلك الغارات الهمجية هي بند أساسي ورئيسي في أجندة العولمة الرأسمالية النيوليبرالية ورأسمالية الكوارث وتوحش الغرب ورغبته في حسم الصراع التاريخي مع الشرق بتدمير كل ما يمكن تدميره في الشرق.
تجتاح إسرائيل محافظات القنيطرة ، درعا ، ريف دمشق ، وتعسكر على بعد 20 كيلومتراً من العاصمة السورية ، خط سير جيش إسرائيل في جنوب سوريا هو نفس خارطة جمهورية جبل الدروز التي صنعها الاحتلال الفرنسي في عشرينات القرن العشرين ، بينما غارات إسرائيل على شرق سوريا تقصف فلول الجيش السوري في محافظة الحسكة ، بينما أمريكا تأمر قوات سورية الديموقراطية التابعة للأكراد بالانسحاب من حلب ودير الزور ، لتصبح مناطق تمركزهم هي محافظتي الحسكة والرقة بالكامل ، تلك هي جمهورية الاكراد او جمهورية الجزيرة السورية التي حاولت فرنسا تأسيسها في عشرينات القرن العشرين ولم تقدر.
تحدث جدعون ساعر وزير خارجية إسرائيل في اليوم الأول لتوليه منصبه ان الاكراد والدروز في سوريا لهم حقوق يجب مراعاتها ، واليوم هنالك من يقوم بهندسة ديموجرافية في سوريا ، بالقصف والقتال والحرب ، لتدشين جمهورية للأكراد في شرق سوريا وجمهورية للدروز في جنوبها.
ويبقا السؤال .. هل أردوغان سوف يتفرج على جمهورية الاكراد ام ان ترامب الذى لا يعترف بالأكراد سوف يأتي ويسلمه الرقة والحسكة ويحتفظ بمنابع النفط في شرق سوريا تحت حماية وإدارة القواعد العسكرية الأمريكية كما الحال اليوم.
كما تحدثت في اكثر من مقال ، حرب الفصائل على الأبواب ، وكما قلت سابقاً ، هذا ليس قراءة او استنتاج ، بل حقيقة كانت موجودة قبل اسقاط الأسد ، فجبهة النصرة كانت تتعارك مع الجيش السوري الحر ، وكلاهما على عراك مع قوات سوريا الديموقراطية، والفصائل الثلاث تضم عشرات القوى المسلحة التي لطالما تعاركت مع بعضها البعض.
إضافة إلى ما سبق ، فإن تحذير الولايات المتحدة الأمريكية بأن داعش قد تعود لا يعني إلا ان أمريكا تكشف أوراقها وانها تقوم بتنشيط داعش الآن للعودة إلى الملعب السوري ، في كل مؤامرات الغرب .. الجولة الأولى يتم استخدام فيها الأدوات الأكثر قبولا لدي المجتمعات ، ثم تتحرك الأدوات الأكثر قدرة لتزيح الأدوات الأولى وتأخذ مكانها.
فلول داعش في سوريا موجودين بالفعل في محور دير الزور – حمص ، تحديداً ما بين ريف دير الزور وحمص الشرقية ، امير داعش اليوم هو عراقي مجهول الهوية يدعي “أبو حفص الهاشمي القرشي” ، وربما تقوم طائرات الناتو بدورها السابق في حروب سوريا وليبيا ، أي نقل الإرهابيين من مناطق هادئة لمناطق مشتعلة والمقصود هذه المرة عناصر تنظيم خراسان في شمال أفغانستان بقيادة “شهاب المهاجر” وهو عراقي الأصل وكان يطلق عليه “سناء الله الصادق” وكافة تلك الأسماء هي أسماء حركية لأشخاص مجهولي النسب والهوية والانتماء الديني فلا تتعجب يوماً لو خرجت وثائق من الغرب تفيد بأن احد هؤلاء او كلهم كانوا ضباط في المخابرات الأمريكية او الإسرائيلية، فقد فعلها الكولونيل تومس إدوار لورانس حينما تسلل لمضارب القبائل في الجزيرة العربية واطلق على نفسه “لورانس العرب” وصنع القومية العربية وقاد معهم “الثورة العربية الكبرى” التي كانت مشروع غربي بحت وقتذاك.
ما بين إحتلال أمريكي في الشرق وروسي في الغرب ، تركي في الشمال واسرائيلي في الجنوب ، وما تبقى من سوريا تحت الإحتلال الإخواني .. تبدو معطيات المشهد السوري كمن يهتف بكل مرارة .. ان الأسوأ لم يأت بعد.