✍️ يوحنا عزمي
كنت اتمني علي دولنا العربية والخليجية ألا يكون موقفها من مشكلة منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط مقتصرا فقط علي معارضتها للبرنامج النووي الإيراني وحده علي غرار ما تفعله الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون قاصدين منه ابعاد الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن القيام بدورها في التفتيش والرقابة واطلاع المجتمع الدولي علي حقيقة ما يجري داخل المفاعلات النووية الاسرائيلية التي بلغت مستوي من التطور والخطورة هم ادري به في الغرب منا .. وهو ما تكاد تجمع عليه كل مراكز الدراسات الإستراتيجية الدولية المرموقة في العالم.
أعلم عن يقين ان إسرائيل انتجت ومنذ سنوات طويلة أسلحة نووية بقدرات تدميرية هائلة ومنها ما يمكن تركيبه كرءوس نووية لصواريخها الباليستية ..
وهو ما يعني ان إسرائيل كسرت مبدأ عالمية منع الانتشار النووي رغم تكتمها لانشطتها النووية واخفائها المتعمد لاخبارها ورغم انتاجها لأسلحة دمار شامل بكافة صورها وانواعها النووية وغير النووية ، وامتناعها عن الإعتراف بحيازتها له للابقاء علي حالة الغموض التي أحاطت بها سياساتها النووية منذ البداية ، أعمالاً منها لمفهوم الردع بالشك او الردع بالظن وفق تعريفها هي له كمفهوم استراتيجي ، وهو ما يعني انها لا تؤكد ولا تنفي حيازتها للاسلحة النووية حتي تبعد انظار الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن ورائها المجتمع الدولي كله عنها .
ويبرهن علي ذلك امتناعها عن التوقيع علي معاهدة منع الانتشار النووي منذ دخولها حيز التنفيذ في عام ١٩٧٠ ، علي العكس من إيران التي وقعت عليها وانضمت اليها والتزمت باحكامها وتعهداتها فيها.
وهنا نريد ان نقول ان قصر معارضة الطرف العربي للانتشار النووي علي البرنامج النووي الإيراني واستثناء البرنامج النووي الإسرائيلي يعني ان الجهود الدولية الرامية إلي الحد من هذا الانتشار في الشرق الأوسط ، تعني عمليا وواقعيا إننا امام نوعين من التمييز في طببعة المواقف الدولية والعربية المناهضة للانتشار النووي في هذه المنطقة من العالم :
اولهما : هو التمييز الإيجابي لصالح إسرائيل باستثنائها وغض النظر تماما عن انشطتها النووية ، وترك الحبل علي الغارب امامها لتقود الحملة الدولية المناهضة لبرنامج إيران النووي ، وهي نفسها من تملك اسلحة نووية من الكثرة والتنوع ما يضعها في مصاف القوي النووية الكبري في العالم ، والغرب يعلم هذا بالتاكيد ولديه علي ذلك الف دليل ودليل.
ثانيهما : فهو التمييز السلبي ضد إيران وحدها ، وكان برنامجها النووي وليس البرنامج النووي الإسرائيلي ، هو مصدر التهديد والخطر لأمن واستقرار الشرق الأوسط ، وفي هذا ما فيه من مغالطات والتفاف علي حقائق الواقع ، لأن منع الانتشار لكي ينجح ويؤتي ثماره ويحقق هدفه ، فأنه لابد وان يكون عاما وشاملا وصارما وغير تمييزي ، ولا يفرق او يستثني.
ومن هنا يجب ان نخرج علي العالم بموقف مختلف نعلن له فيه ان معارضتنا للبرنامج النووي الإيراني يجب ان تكون ضمن جهود دولية اوسع واشمل لاخلاء الشرق الأوسط باكمله من الأسلحة النووية ، وان تلك الجهود لن تكتمل وتعرف طريقها إلي هدفها إلا بإدخال كل دول المنطقة ضمن مجال رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وليس إيران وحدها.
ولنحاول بهذا الموقف العادل والمتوازن والمسئول ، ان نجعلها قضية مبدأ وسياسة عامة لمنع الانتشار ، وليس اداة لمعاقبة نظام حكم معين مع ترك مصدر الخطر الحقيقي علي أمن الشرق الأوسط يرتع ويتمدد ويتفاقم ويتضاعف في غيبة رقابة دولية حقيقية عليه ..
دعونا نري الواقع بعيوننا وليس بعيونهم ، ومن منطور يحاول ان يضع المصالح العربية العليا فوق كل اعتبار.