ابداعات

والحَدِيثُ ضَّعِيفٌ !

بقلم

الدكتور عادل اليماني  

 

يُحْكَى أنْ أعرابياً كانَ يرفعُ علي بعيرِه ، حِمْلاً ثَقيلاً ، فرقَ قلبُ أحدِهم ، علي هَذَا البعيرِ المسكينِ ، فسألَ الأعرابيَّ عن محتواه ، 

فقالَ الأعرابيُّ : كيسٌ يحوي المؤونةَ ، والكيسُ المُقابلُ يحوي تُراباً ! ليستقيمَ الوزنُ في الجهتين ! 

فتعجبَ الرجلُ ، وقالَ : لِمَ لا تستغني عن كيسِ التُرابِ ، وتوزعُ كيسَ المؤونةِ علي الجهتين بالتساوي ، فتكونَ قد خففتَ الحملَ على البعيرِ ، و رَحِمْتَهُ ؟!

فقالَ الأعرابيُّ : صدقتَ .. 

 وفعلَ ما أشارَ به عليه ، ثم عادَ يسألُه : هل أنتَ شيخُ قبيلةٍ ، أم شيخُ دينٍ ؟

فأجابَ الرجلُ : لا هَذَا ، ولا ذاكَ ، بل إنسانٌ من عامةِ الناسِ .

فقالَ الأعرابيُّ : قبحَك اللهُ ، لا هَذَا ، ولا ذاكَ ، ثم تُشيرُ عليَّ ؟! مَنْ أنتَ حتي تُقدمَ النصيحةَ لمثليِّ ؟! ثم أعادَ حمولةَ البعيرِ كما كانتْ !

هكذا هم كثيرٌ من الناسِ ، لا يهتمون بالأفكارِ ، وإنْ كانتْ صواباً ، بل يشغلُهم الأشخاصُ والألقابُ المُصدِرَةُ لتلكَ الأفكارِ ، وإنْ كانتْ خاطئةً !

رمى الخليفةُ المتوكلُ عصفوراً ، فلم يصبْه ، فقالَ له وزيرُه : أحسنتَ !

قالَ الخليفةُ : أتهزأُ بيَّ ؟!

فقالَ الوزيرُ : أحسنتَ إلي العصفورِ ، سيدي ! قد تتعجبون من هَذَا الحجمِ من النفاقِ ، وأنا أتعجبُ أكثرَ من ثباتِ هَذَا الوزيرِ وقناعاتِه بما يقولُ ! 

الحِكمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ ، فَخُذِ الحِكمَةَ ولَو مِن أهلِ النِّفاقِ .. 

هكذا قالَ أميرُ المؤمنين ، عليٌّ ابنُ أبي طالبٍ ، رضي اللهُ عنه وأرضاه .

فقد تُساقُ الحكمةُ علي لسانِ المنافقِ أو الكافرِ ، وإنْ لم تتجاوزْ لسانَه ، وقد لا تُساقُ علي لسانِ المؤمنِ الصادقِ ، وقلبُه عامرٌ بها ، وبأكثرَ منها ، هُنا لا نبحثُ عن درجةِ الإيمانِ ، فهي مسألةٌ مردُها للهِ وحدَه ، بل نبحثُ عن درجةِ الإفادةِ من هَذَا الكلامِ ، للفردِ والمجتمعِ . 

رسالةُ مُحمدِ ، صلي اللهُ عليه وسلمَ : 

إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ .. 

قصراً وحصراً وإجمالاً .. 

ولم يقلْ ( لآتيَّ ) بمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ ، وإنَّمَا ( لِأُتَمِّمَ ) .. 

والمعني شديدُ الوضوحِ ، فالأخلاقُ ليستِ اختراعاً حديثاً ، وإنَّمَا سبقنا بها آخرون ، ولذلكَ لم يُنكر ( ص ) فضلَ الشرائعِ السابقةِ ، بل فضلَ بعضِ أصحابِ الشيمِ الطيبةِ ، التي كانَ يتحلي به كفارُ قريشٍ أنفسُهم ، كالكرمِ والشجاعةِ . 

ومن أجلِ هَذَا الإنصافِ ، كانتْ رسالتُه ( ص ) عامةً شاملةً متكاملةً ، صالحةً للبقاءِ الدائمِ ، في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ ، موضعَ تقديرِ واستحسانِ الدُنيا كُلِّها . 

ومن هُنا كانَ الإقرارُ بوجوبِ ( قبولِ الآخرِ ) الذي ظنَ الكثيرون ، ظُلماً ، أنَّه مطلبٌ كانَ غائباً في الماضي ، وهم بحضارتِهم ! يستحضرونَه الآنَ ! 

سورةٌ من أعظمِ سورِ القُرآنِ الكريمِ ، ذُكرَ فيها أثنا عشرَ نبياً ، وبتكرارِ الاسمِ ، تسعةَ عشرَ نبياً ، زكريا ، يحيى ، عيسى ، إبراهيم ، موسى ، هارون ، إسماعيل ، إدريس ، إسحاق ، يعقوب ، آدم ، نوح .. 

ورغمَ ذلكَ كُلِّه تُسمي السورةُ ( مَرْيَم ) تكريماً لتلكَ التقيةِ النقيةِ : وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ( آل عمران ) ..

الملائكةُ تُعلنُ البيانَ ، والقرارُ من اللهِ سُبحانَه ، باسمِه الأعظمِ ، والتطهيرُ بينَ اصطفائين ، لا اصطفاءٍ واحدٍ ، والاصطفاءُ ليسَ علي المستوي المحدودِ ، بل علي نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ! قمةُ التشريفِ والتكريمِ .. 

فيما القُرآنُ الكريمُ كاملاً ، ليسَ فيه سورةُ واحدةٌ ، أو حتي ذكرٌ بالاسمِ ، لأبي بكرٍ ، أو عمرَ ، أو عثمانَ ، أو عليٍّ ، أو خديجةَ ، أو عائشةَ ، أو فاطمةَ ، رضوانُ اللهِ عليهم جميعاً ، علي عظيمِ مكانتِهم ، وارتفاعِ شأنِهم . 

إنَّ كثيراً من هؤلاءِ الذين أخذوا العلمَ دونَ أستاذٍ مُصلحٍ ، أو شيخٍ مُعلمٍ ، أخذوه من الكُتبِ ، ولم يفهموه ، وربما قرأوا صفحاتٍ معدودةً ، من كُتبِ ابنِ تيميةَ ، أو ابنِ عبدِ الوهاب ، ولم يُكملوها ! وأصبحَ جُلُّ كلامِهم : هَذَا الحَدِيثُ ضَّعِيفٌ ! 

وما أدراكَ أنَّه ضَّعِيفٌ؟ فلربما يُروي من طريقٍ آخرَ يُقويه ، فيكونُ قوياً ، حتي لو كانَ ضعيفاً ، فقد أجازَ الإمامان العظيمان ، ابنُ كثير ، وابنُ القيم ، العملَ بالحديثِ الضعيفِ في مكارمِ الأخلاقِ ، وفضائلِ الأعمالِ ، وهكذا أجازَ أيضاً أئمةُ المحدثين .

الحُرُ دوماً يدافعُ عن الفكرةِ ، بغضِ النظرِ عن قائلِها ، والعبدُ يدافعُ عن الشخصِ ، مهما بلغتْ درجاتُ انحطاطِ فكرتِه .

إِنَّ الغَنيَّ إِذا تَكَلَّمَ كَاذِباً ،،

قَالوا صَدَقْتَ ، وَما نَطَقْتَ مُحالاً .. 

وَإِذا الفقيرُ أَصابَ ، قالوا لَمْ تُصِبْ ،،

وَكَذَبْتَ يا هَذَا ، وَقُلْتَ ضلالاً ..

إِنَّ الدَّراهِمَ فِي المَواطِنِ كُلّها ،،

تَكْسُو الرِّجَالَ مَهابَةً وجَلالاً .. 

هي اللســـانُ لمَنْ ارادَ فصاحةً ،، 

وهي الســلاحُ لمَنْ أرادَ قتـــالاً ..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!