✍️ يوحنا عزمي
الرئيس الروسي الآن امام فرصة ذهبية يجب ألا يدعها تضيع منه حتي لا يندم لاحقا علي ضياعها منه .. فهو بمسارعته إلي وقف الحرب في أوكرانيا حتي وان تم ذلك بمنطلق استجابته لدعوة الرئيس الأمريكي ترامب له بضرورة وقفها في الحال ، فإنه بقراره سوف يدق اسفينا خطيرا في جدار التحالف الأمريكي الأوروبي الناتو ، مما قد يزيد من تصدع هذا التحالف في المرحلة الراهنة ، وقد يعجل بانهياره بفعل التناقضات الشاسعة التي باتت تفصل بين مواقف الطرفين الأوروبي والأمريكي من هذه الحرب ،
ومن ان دول الناتو الأوروبية قد خسرت تريليونات الدولارات عسكريا واقتصاديا وتورطت في أزمات طاقة حادة كانت في غني عنها ، تحت ضغط إدارة بايدن السابقة والآن ، وبلا سابق إعداد او تمهيد ، تأتي الإدارة الأمريكية الجديدة لتعكس مواقفها من هذه الحرب وتحاول ان تدفع دول الناتو الأوروبية في الإتجاه المضاد ، او ان تحمل الموقف برمته علي كاهلها وحدها اذا ارادت الاستمرار في الحرب ضد إرادة شريكها الأمريكي.
قرار بوتين بوقف الحرب سوف يزيد هذا الخلاف بين الطرفين الأوروبي والأمريكي تفاقما ، كما سيفتح الباب علي مصراعيه أمام مجادلات ساخنة وخطيرة بين الطرفين حول دور كل منهما في اتخاذ قرارات الحلف ، وهل من حق امريكا ان تنفرد وحدها باتخاذ قرارات تدفع دول الحلف كلها ثمنها دون ان يكون لها دور مشارك فيها ، ام ان هذا الدور يجب ان يتوزع بينهما وليكون من حق الدول الأوروبية الاعتراض علي ما لا تقتنع به من القرارات وبخاصة تلك القرارات الإستراتيجية بمخاطرها الشديدة وتكاليفها الباهظة؟.
هذه قضية في غاية الأهمية والحساسية وهي ليست جديدة تماما ، وانما جاءت إدارة ترامب لتبعثها ولتثير الزوابع والعواصف العنيفة حولها من جديد، بقرار وقف الحرب في اوكرانيا وبغيره من القرارات المثيرة للجدل والخلاف.
العاصفة السياسية التي تتجمع في أفق الناتو الآن ، تدور في جوهرها حول كيف تقبل دول الناتو الأوروبية الرضوخ لقرارات أمريكية تمس أمنها في الصميم دون ان تستشار بشانها او ان يكون لها راي فيها، وهو ما يحرجها بشدة امام شعوبها وبرلماناتها وامام قطاعات واسعة من الراي العام فيها ، ويصورها في عيونهم كمجرد دمية او اداة بيد من يجلس في البيت الابيض ليصبح مصير الحلف كله في النهاية بيده .. وهو ما لا يتورع الرئيس ترامب عن المجاهرة علنا به عندما يعلن انه سوف يجري تقييما لأوضاع هذا الحلف وما اذا كانت هناك اسباب ما زالت تستدعي الاحتفاظ به ام ان تلك الأسباب قد انتهت ولم تعد قائمة ؟
ثم لماذا تتكلف امريكا وحدها بمعظم اعباء وتكاليف حمايتهم اذا كانوا لا يسهمون لحماية انفسهم بما يكفي؟
واليست أمريكا هي الأولي بهذا كله منهم؟.
هذه هي قناعات ترمب واتصور أنه بصدد ترجمتها إلي مواقف وقرارات.
وهذا هو ما يجب ان يضعه بوتين كمناور سياسي محترف في اعتباره ويلعب عليه بذكاء بدلا من ان يمضي في حربه في اوكرانيا وإلي حيث لم يعد يعرف إلي أين يمكن ان تأخذه وراءها عندما تضع يوما اوزارها.
وهو الآن وكما اعتقد أمام فرصة تاريخية كبيرة لشق تحالف الناتو من داخله إلي نصفين لن يعود بعدها إلي سابق ما كان عليه لا قريبا ولا في اي وقت مستقبلا .. وسوف يكون من الغباء وقصر النظر السياسي بمكان إذا اضاعها لاعتبارات تتعلق بحساباته لظروف الداخل الروسي وحده.