ابداعاتخواطر

حكايات المرفأ

آية عبده أحمد

الشروخ التي على ذلك القارب المخضرم تحكي عن تجارب كثيرة يبدو أنها كانت صعبة، وتلك العبارات المكتوبة مثل:
“سوف أجوب البحار كلها”، “لقد كان البحر رفيقنا الثالث”، “نورس” لقد كان مكتوبًا بأكثر من لغة.

بينما وقفتُ أتأمل الخط الذي كُتِبَت به العبارات، باغتني صوت رجل كبير في العمر:
إنه قاربي “نورس” رفيق المغامرات والرحلات، لقد شاركني عُزلتي ومواجهتي للأمواج العالية والغادرة، والعواصف التي كانت تأتي أحيانًا بلا موعد، لقد عشتُ فيه كثيرًا.

  نظر إلى السماء وأكمل قائلًا:
تخيلي أن تشعري بالأمان في قلب محيط أمواجه قررت أن تثور، والغيوم تبكي من خوفها بغزارة، ويعلو صوت شهقاتها من حين لآخر، فتجرح وجهها بأظافرها الحادة، ويلمع الجرح بطوله، ثم توثقّه السماء كأنها تقوم بعمل فحص أشعة مقطعية، والظلام يحيط بكل ما حولي، رغم ذلك كنتُ أنامُ مطمئنًا في سريري داخل هذا القارب الذي أمامك.

   صمت ثم ذهب ببطء وهو شارد نحو قاربه، تحسس الشروخ والعبارات التي يبدو أن لكل منها حكاية، لمعة عيناه كانت تحكي الكثير، ومن جيبه أخرج بوصلة فضية؛ بالتأكيد كان يستخدمها لمعرفة الاتجاهات، فسألته:
لماذا أسميته نورس؟

ابتسم ثم أجابني:
  لأنني كنتُ أحب السفر في البحر، ولا أستقر طويلًا على الشواطئ، كحال النوارس معتادة على الرحيل، كأنها تبحث عن شيء غالٍ عليها، وتكون قلقة إذا مكثت طويلًا في مكانٍ واحد، فتهرعُ لتشدّ الرحال وترحل.

التحفت السماء بوشاح به درجات اللون البرتقالي، ثم أعلنت الشمس عن مغادرتها بهدوء، وكذلك أنا كان عليّ المغادرة، فودّعته على أمل مصادفته مرة أخرى في ذات المكان؛ لأعرف قصة “نورس” كاملة.


مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!