الصراع بين الشيعة والسنة ليس مجرد نزاع ديني فحسب ، بل هو صراع طويل ومعقد يمتد لقرون ، بدأ منذ خلافات في فهم وتفسير الإسلام ، وساهمت فيه العديد من العوامل السياسية والاجتماعية.
من فترة الخلافة بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى الحروب والمعارك الشهيرة بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وصولاً إلى الصراعات المدمرة في العصر الحديث، مثل ما يحدث في سوريا حيث أصبح هذا الصراع مصدرًا رئيسيًا للدمار والمجازر.
الصراع في الماضي : الإمام علي ومعاوية
ـ الخلافة بعد وفاة النبي : ببعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، نشأ نزاع على الخلافة ، حيث اختلف المسلمون بين من يؤيد علي بن أبي طالب ابن عم النبي وزوج ابنته فاطمة ، وبين من يدعم أبا بكر الصديق ، الخليفة الأول. بعد إستقرار الخلافة في أيدي الخليفة الأول والثاني ( أبو بكر وعمر) تجنب النزاع المباشر حتى جاء العصر الذي شهد خلافًا أكثر وضوحًا خلال خلافة الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
ـ معركة الجمل ومعركة صفين : بعد مقتل عثمان ، تولى علي بن أبي طالب الخلافة ، ما أدى إلى معارضة شديدة من العديد من الصحابة وأتباع عثمان. تصاعدت الأوضاع إلى معركة الجمل (656م) بين علي بن أبي طالب وقادة معارضين له مثل طلحة والزبير ، ووقعت معركة صفين في نفس العام بين علي ومعاوية بن أبي سفيان ، حاكم الشام آنذاك. هذه المعركة انتهت دون حسم واضح ، مع إستمرار التوترات حول شرعية خلافة علي.
ـ الفتنة الكبرى : الخلافات السياسية التي نشأت بعد هذه المعارك أثرت بشكل عميق في الأمة الإسلامية ، حيث أصبح الصراع بين مؤيدي علي (الشيعة) ومعاوية (السنة) هو الخلاف الذي هيمن على الأحداث السياسية. استمرت الفتنة الكبرى حتى قتل علي في عام 661م على يد الخوارج ليبدأ حكم معاوية بن أبي سفيان في الشام ويؤسس للدولة الأموية ، التي كان لها تأثير كبير على الدين والسياسة في العالم الإسلامي.
الصراع في الحاضر : الصراع السني الشيعي في العصر الحديث
ـ النهضة الإيرانية وتأثيرها على الصراع : في العصر الحديث ، كانت إيران بقيادة الخميني المحور الذي دفع الصراع السني الشيعي إلى آفاق جديدة.
الثورة الإيرانية عام 1979 أسست لجمهورية إسلامية شيعية، حيث اعتبرت إيران نفسها مدافعة عن حقوق الشيعة في العالم الإسلامي ، مما أدي إلى توترات مع الأنظمة السنية في المنطقة.
هذه الثورة كانت محورية في نقل الصراع إلى الصراعات الإقليمية ، مثل في العراق وسوريا واليمن.
ـ الحرب العراقية الإيرانية : الحرب التي نشبت بين العراق بقيادة صدام حسين ، وهو من الطائفة السنية ، وبين إيران ، وهي دولة شيعية ، من عام 1980 إلى 1988 كانت واحدة من أبرز المحطات في هذا الصراع.
حيث كانت الحرب ذات طابع طائفي في جزء كبير منها ، مع استمرار الإتهامات المتبادلة بين الشيعة والسنة.
ـ الربيع العربي والحرب في سوريا : خلال الربيع العربي في عام 2011 كان للصراع السني الشيعي تأثير كبير على الحرب في سوريا.
حيث دعمت إيران النظام السوري بقيادة بشار الأسد ( الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية ، وهي إحدى الطوائف الشيعية ) في حربه ضد المعارضة التي كانت أغلبها من الطائفة السنية.
هذا الصراع شهد تدخلًا إيرانيًا مباشرًا من خلال دعم ميليشيات شيعية وحزب الله اللبناني.
الصراع في سوريا
ـ التدخلات الخارجية : الحرب السورية في السنوات الأخيرة أصبحت ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تدعم إيران النظام السوري، بينما تدعم بعض الدول العربية السنية مثل السعودية وقطر فصائل المعارضة. هذا الصراع أصبح أكثر تعقيدًا بسبب الانقسام الطائفي بين الشيعة والسنة، مما أضاف أبعادًا دينية إلى الحرب، بجانب الأبعاد السياسية والعسكرية.
ـ الطابع الطائفي للحرب : العديد من المناطق السورية شهدت مجازر وحروبًا طائفية حيث تم استخدام الدين كأداة لتعبئة الناس وتوجيههم ضد بعضهم البعض.
على سبيل المثال ، هناك تقارير عديدة تشير إلى عمليات تطهير طائفي في مناطق مثل حمص ، حلب ، وريف دمشق ، حيث كانت المجازر تتم ضد أهل السنة من قبل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
ـ حزب الله وإيران في سوريا : تعتبر إيران وحزب الله اللبناني من أهم اللاعبين في الصراع السوري.
حزب الله ، الذي يُعتبر من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران ، يشارك في القتال إلى جانب قوات النظام السوري ضد المعارضة السنية. هذا الأمر زاد من تعقيد الصراع وأدى إلى تصاعد الخلافات الطائفية في المنطقة.
ـ التأثيرات الإقليمية والدولية : الصراع في سوريا يشكل تحديًا للمجتمع الدولي ، خاصة مع التدخلات العسكرية للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا ، والتي تدعم أطرافًا مختلفة في الصراع.
تدخل هذه القوى يعمق الانقسامات الطائفية ويحول النزاع السوري إلى جزء من صراع أوسع بين القوى الإقليمية والدولية ، بما في ذلك الدول السنية مثل السعودية وتركيا مقابل الدول الشيعية مثل إيران.
النتائج والآثار
ـ الدمار الشامل : تسببت الحرب في سوريا في مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين. بالإضافة إلى ذلك ، أدت المجازر الطائفية إلى تعميق الهوة بين المجتمعات السنية والشيعية في المنطقة.
ـ التأثير على العلاقات الإقليمية : ساهم الصراع في سوريا في تعزيز التوترات الطائفية بين الدول السنية والشيعية في المنطقة. كما أدى إلى تشكيل تحالفات جديدة بين الدول الكبرى والفاعلين الإقليميين ، ما أدى إلى تفاقم الأزمة.
ـ التحديات المستقبلية : في المستقبل ، سيظل الصراع السني الشيعي يشكل تهديدًا للاستقرار في المنطقة ، خاصة إذا استمرت القوى الإقليمية في استغلال الدين كأداة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
الصراع بين الشيعة والسنة ، الذي بدأ في بداية الإسلام مع الخلافات السياسية بين الإمام علي ومعاوية ، تطور ليأخذ شكلًا معقدًا من الصراعات السياسية والطائفية في العصر الحديث.
الأحداث الحالية في سوريا تُعد تجسيدًا حيًا لهذا الصراع ، حيث تتحكم الأطراف الخارجية وتتصاعد التوترات الطائفية بشكل يهدد استقرار المنطقة بالكامل.
إن التوصل إلى حلول سلمية وتفاهم بين الطوائف المختلفة أصبح ضرورة ملحة من أجل إنهاء هذا الصراع المدمر.
وما علاقة السنه والشيعه بالاحداث الأخيرة في الساحل السوري ؟
الصراع بين السنة والشيعة له جذور تاريخية ودينية عميقة في العالم الإسلامي ، ومع مرور الوقت أصبح له تأثير كبير على بعض الأحداث السياسية والصراعات الإقليمية ، بما في ذلك في سوريا. في حال الصراع في الساحل السوري ، يعتبر هذا الصراع جزءًا من أكبر نزاع إقليمي يتعلق بالعديد من الأطراف والقوى الدولية.
– دور إيران وحزب الله : إيران وميليشياتها مثل “حزب الله” اللبناني وهما شيعيان ، قدما دعماً كبيراً للنظام السوري في معركته ضد المعارضة التي تسيطر غالباً على المناطق السنية. هذا التدخل أدى إلى تصاعد العنف الطائفي في العديد من المناطق.
ـ دور الدول السنية : في المقابل ، هناك العديد من الدول السنية مثل تركيا والسعودية التي دعمت المعارضة السورية المسلحة التي تضم بشكل أساسي مقاتلين من الطائفة السنية. هذا الصراع الطائفي مع النظام العلوي تسبب في مزيد من التوتر بين السنة والشيعة.
ـ الآثار على الساحل السوري : الساحل السوري يشكل معقلًا رئيسيًا للنظام السوري ويعتبر منطقة ذات أهمية استراتيجية. هذه المنطقة هي موطن للطائفة العلوية ، التي تمثل جزءًا من الأقلية الشيعية في سوريا. الصراع في الساحل السوري أصبح يعكس الصراع الطائفي بين السنة والشيعة حيث كانت هناك مواجهات بين قوات النظام المدعومة من إيران وحزب
الله من جهة ، ومعارضي النظام المدعومين من القوى السنية في المنطقة من جهة أخرى.
ـ الصراع الطائفي في الحاضر : ما يحدث في الساحل السوري اليوم هو جزء من صراع أكبر تتداخل فيه المصالح الدينية والسياسية. الطابع الطائفي للصراع لا يقتصر فقط على القتال بين السنة والشيعة، بل يتداخل مع الأبعاد السياسية والإقتصادية التي تتعلق بالهيمنة على السلطة والموارد في سوريا.
التحديات المستقبلية
– استمرار الصراع الطائفي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التوترات بين السنة والشيعة في المنطقة.
– التصعيد العسكري في الساحل السوري قد يزيد من تعقيد الوضع ويؤدي إلى مزيد من التشدد الطائفي.
– دعم القوى الدولية والإقليمية قد يعمق الانقسامات ويجعل الحلول السلمية أكثر صعوبة.
الصراع بين السنة والشيعة في المنطقة يتداخل مع الأزمة السورية ويؤثر على مجريات الأحداث في الساحل السوري ، وهو نتاج لتدخلات إقليمية ودولية ، بالإضافة إلى عوامل طائفية ودينية.
بعد أحداث الساحل السوري ، وما شهدته هذه المنطقة من تصعيدات وأحداث عسكرية معقدة ، سيكون هناك العديد من السيناريوهات المحتملة والتي ستعتمد على الدور الذي ستلعبه القوى الإقليمية والدولية الكبرى ، بالإضافة إلى تفاعلات الأطراف المحلية مثل المعارضة السورية وجبهة تحرير الشام. يمكن تقسيم السيناريوهات المستقبلية كما يلي :
أولا : دور تركيا
تركيا ستكون لها مصالح إستراتيجية في سوريا ، وهي تدعم المعارضة السورية منذ بداية الثورة ضد النظام السوري. لكن في الوقت نفسه ، لديها مخاوف من المجموعات الكردية التي تعتبرها تهديدًا لأمنها القومي.
ـ مواجهة التوسع الإيراني والشيعي : تركيا ستكون حريصة على الحد من النفوذ الإيراني وحزب الله في المنطقة الساحلية التي تعتبرها مناطق ذات أهمية أمنية بالنسبة لها، لذا فإنها قد تشارك في دعم المعارضة السورية بشكل أكبر.
– التعاون مع روسيا : في الوقت نفسه ، تركيا ستظل في تعاون مع روسيا حول بعض القضايا في سوريا ، خصوصًا بشأن الشمال السوري ، ولكن قد يحدث تباين في المواقف حول مسألة الساحل السوري.
ثانياً : دور روسيا
روسيا تظل القوة الأكبر التي تدعم نظام بشار الأسد في سوريا
وقد لعبت دورًا رئيسيًا في تحويل مسار الحرب لصالحه.
– الحفاظ على النفوذ في سوريا : روسيا ستسعى للاستمرار في حماية مصالحها في سوريا ، سواء في البحر المتوسط أو في القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس. من المتوقع أن تستمر في تقديم الدعم العسكري الجوي لنظام الأسد.
– التعامل مع المعارضة : روسيا قد تسعى للتفاوض مع المعارضة في المستقبل ، خاصة في المناطق التي تحظى بأهمية استراتيجية ، لكنها قد تجد صعوبة في حل النزاع بشكل كامل بسبب التناقضات بين الأطراف المحلية والدولية.
– موازنة العلاقة مع تركيا : في ظل التوترات الجيوسياسية ، ستسعى روسيا للحفاظ على تعاونها مع تركيا وتجنب التصعيد الكامل معها بينما تواصل دعم النظام.
ثالثاً : دور الولايات المتحدة الأمريكية
الولايات المتحدة كان لها دور كبير في دعم بعض فصائل المعارضة السورية ، خاصة الكردية منها ، في الحرب ضد داعش.
– مواجهة النفوذ الإيراني : الولايات المتحدة ستواصل الضغط على إيران وحلفائها في سوريا ، خاصة في المناطق التي تشهد وجودًا شيعيًا مثل الساحل السوري. ومن المحتمل أن تكون هناك خطوات دبلوماسية وعسكرية لردع التوسع الإيراني.
– الوجود العسكري المحدود : قد تبقي أمريكا على وجود عسكري في بعض المناطق السورية ، خاصة في الشمال الشرقي، لتكون نقطة ضغط ضد قوات النظام السوري وحلفائه الإيرانيين.
رابعاً : دور إسرائيل
إسرائيل تعتبر التوسع الإيراني في سوريا تهديدًا لأمنها القومي ، وسوف تستمر في محاربة الوجود العسكري الإيراني وحزب الله بالقرب من حدودها.
– استمرار الهجمات الجوية : من المتوقع أن تواصل إسرائيل شن غارات جوية على مواقع إيرانية في سوريا ، سواء كانت في المناطق الساحلية أو مناطق أخرى. الهدف هو تعطيل قدرة إيران على توسيع نفوذها العسكري في سوريا.
– الدور في جبهة تحرير الشام : إسرائيل قد تسعى للحد من أي تهديدات محتملة من جبهة تحرير الشام ، رغم أن هناك تخوفًا من توسع النفوذ السني المتشدد في بعض المناطق ، إلا أن إسرائيل قد تكون أكثر اهتمامًا بمنع توسع إيران في المنطقة.
خامساً : دور جبهة تحرير الشام
جبهة تحرير الشام هي إحدى القوى العسكرية السنية في سوريا
وتتمركز في مناطق الشمال الغربي.
– محاربة النظام وحلفائه : جبهة تحرير الشام ستواصل معركتها ضد النظام السوري وحلفائه ، وتستفيد من الدعم التركي لتوسيع نفوذها في الشمال.
– التهديد للوجود الشيعي : جبهة تحرير الشام ستظل تمثل تهديدًا للوجود الشيعي في مناطق معينة في سوريا ، وخصوصًا في المناطق الساحلية ، وتعتبر الصراع بين الشيعة والسنة أحد أبعاد القتال في هذه المناطق.
سادساً : دور المعارضة السورية
المعارضة السورية تتكون من فصائل مختلفة ، بعضها معتدل وبعضها متشدد ، وتتنوع مواقفها تجاه القضايا الطائفية والسياسية.
– الاستمرار في مقاومة النظام : المعارضة ، التي تضم جماعات سنية في الغالب ، ستستمر في مواجهة النظام السوري وحلفائه الإيرانيين. يتوقع أن تحاول المعارضة إعادة تنظيم نفسها وتوسيع نطاق سيطرتها في مناطق شمال وشرق سوريا.
– الدور في الحل السياسي : المعارضة قد تسعى للحصول على المزيد من الدعم الدولي لتحقيق مكاسب سياسية على الطاولة ، خاصة من خلال مفاوضات مع الأمم المتحدة أو مؤتمرات دولية.
سابعاً : دور الشيعة والنظام الإيراني
إيران وحزب الله سيستمران في دعم النظام السوري ، وخاصة في المناطق التي تعتبرها طهران مناطق استراتيجية.
– التوسع العسكري : إيران ستواصل دعم الميليشيات الشيعية في سوريا ، وستسعى لتوسيع نفوذها في الساحل السوري ومنطقة الشرق الأوسط ككل.
– التحدي أمام الدول السنية : إيران ستبقى في صراع مع الدول السنية الكبرى مثل السعودية وتركيا من أجل التأثير في الصراع السوري.
ثامناً : دور السنة في سوريا
الطائفة السنية هي الطائفة الأكبر في سوريا ، وأغلب فصائل المعارضة تكون من المسلمين السنة.
– محاربة النظام : ستستمر القوى السنية في مواجهة النظام وحلفائه وستسعى للاستفادة من الدعم الإقليمي والدولي للضغط على النظام السوري.
تاسعاً : دور الأكراد في سوريا
دور الأكراد في سوريا كان ولا يزال محوريًا في الصراع السوري، حيث يتواجد الأكراد بشكل رئيسي في شمال وشمال شرق سوريا، وهو ما يضعهم في موقع حساس بين القوى المتصارعة في البلاد. يمكن تقسيم دور الأكراد في سوريا إلى عدة جوانب رئيسية :
ـ الصراع مع النظام السوري : منذ بداية الثورة السورية في 2011 كانت المناطق الكردية في شمال سوريا في حالة من التوتر مع النظام السوري. ومع بداية النزاع ، اختار الأكراد أن يتبنوا سياسة الحياد في البداية ، لكنهم سرعان ما بدأوا في تأسيس قوات حماية الشعب الكردية (YPG) بهدف حماية المناطق الكردية من أي تهديدات سواء كانت من قوات النظام السوري أو من المجموعات المسلحة المتطرفة مثل داعش.
وفي عام 2012 ، انسحب النظام السوري من العديد من المناطق الكردية في الشمال السوري ليترك الأكراد يديرون شؤونهم بأنفسهم ، وهو ما مهد الطريق لتشكيل “كانتونات” كردية في بعض المناطق مثل كوباني (عين العرب) وعفرين والجزيرة. ومنذ ذلك الوقت ، بدأ الأكراد في بناء حكم ذاتي جزئي في المناطق التي يسيطرون عليها.
ـ التحالف مع الولايات المتحدة : في مرحلة لاحقة من الصراع ، وتحديدًا بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في سوريا ، أصبح الأكراد حليفًا رئيسيًا للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش.
قوات سوريا الديمقراطية ، التي تضم وحدات حماية الشعب الكردية إلى جانب مجموعات عربية وغيرها من المجموعات المسلحة ، لعبت دورًا كبيرًا في دحر داعش ، حيث تم تحرير مناطق واسعة من قبضة التنظيم في الشمال الشرقي والشمال الغربي لسوريا.
التحالف بين الأكراد والولايات المتحدة كان جزءًا من إستراتيجية أمريكية طويلة الأمد للحد من توسع داعش ومنع تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة. في هذا السياق ، استفاد الأكراد من الدعم العسكري والتدريب والإمدادات الأمريكية.
ـ الصراع مع تركيا : من أهم التحديات التي واجهها الأكراد في سوريا هو التوتر مع تركيا ، التي ترى أن المجموعات الكردية في سوريا ، وخاصة وحدات حماية الشعب ، مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يعتبره الإتحاد الأوروبي وتركيا منظمة إرهابية. من وجهة نظر تركيا ، فإن وجود قوات كردية مسلحة على حدودها الجنوبية يشكل تهديدًا للأمن القومي التركي.
في السنوات الأخيرة ، شنت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد الأكراد في سوريا ، مثل عملية “غصن الزيتون” التي استهدفت منطقة عفرين الكردية عام 2018، وعملية “نبع السلام” في 2019 التي استهدفت مناطق أخرى في شمال شرق سوريا ، وذلك بهدف تقويض السيطرة الكردية في هذه المناطق ومنع إقامة أي كيان كردي مستقل على حدودها.
ـ الوجود الكردي وحكمهم الذاتي : في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا ، بدأ الأكراد في تنفيذ نظام حكم ذاتي تحت إشراف “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. وتشمل هذه المناطق :
– رأس العين
ـ عين العرب
– القامشلي
– الحسكة
– منبج
– عفرين ( التي تم احتلالها من قبل تركيا )
الأكراد في هذه المناطق يحاولون بناء نموذج حكومي يضمن حقوقهم ويكون بعيدًا عن الهيمنة من قبل أي جهة إقليمية أو دولية ، حيث يعملون على تشكيل مؤسسات سياسية وإدارية مستقلة ويشمل ذلك القوات الأمنية والكردية مثل قوات “الأسايش” (الشرطة) و”وحدات حماية الشعب”.
عاشراً : التحديات المستقبلية للأكراد في سوريا
– الضغوط التركية : تركيا ستظل تشكل تهديدًا رئيسيًا للأكراد في سوريا حيث تسعى لزعزعة إستقرار المناطق الكردية عبر العمليات العسكرية في الشمال السوري.
– الوجود الأمريكي : رغم الدعم الأمريكي للأكراد في مكافحة داعش، فإن الأكراد قد يواجهون تغييرًا في السياسة الأمريكية مع مرور الوقت ، خاصة إذا تغيرت إدارة البيت الأبيض. لذلك سيكون الأكراد في موقف صعب فيما يتعلق بضمان إستمرار الدعم الأمريكي.
– العلاقات مع النظام السوري : بالرغم من أنهم نجحوا في تحقيق بعض المكاسب في السنوات الأخيرة ، إلا أن الأكراد سيواجهون تحديات في علاقتهم مع الحكومة السورية.
الحكومة السورية ، التي بقيت حريصة على استعادة جميع أراضيها قد تسعى لإعادة فرض سلطتها في مناطق الأكراد.
– التوترات الداخلية : هناك انقسامات وتوترات بين بعض الفصائل الكردية مثلما يحدث بين وحدات حماية الشعب (YPG) وحزب الاتحاد الديمقراطي وحركات أخرى. قد تتسبب هذه التوترات في أزمات داخلية تؤثر على الوحدة الكردية في سوريا.
التوجهات المستقبلية :
– الأكراد قد يسعون للمزيد من الانفتاح على المجتمع الدولي للحصول على دعم أكبر في مسألة الحكم الذاتي.
– استمرار التعاون مع القوات الأمريكية قد يوفر لهم بعض الحماية ولكن ذلك يتوقف على تطورات السياسة الأمريكية في المنطقة.
– سيكون من الصعب على الأكراد تحقيق استقلال كامل ، لكن في حال تعزيز الدعم المحلي والدولي ، قد ينجحون في تأسيس حكم ذاتي يتمتع بهامش واسع من الاستقلالية.
الأكراد في سوريا يلعبون دورًا محوريًا في الأزمة السورية ، حيث يواجهون تحديات كبيرة من القوى المحلية والإقليمية والدولية. إن مصالحهم تتداخل مع سياسات تركيا ، الولايات المتحدة ، النظام السوري ، وحتى إيران.
لذلك ، فإن أي حل مستقبلي في سوريا سيعتمد إلى حد كبير على الموازنة بين التطلعات الكردية وأجندات القوى الأخرى في المنطقة.
دور الدروز في سوريا بعد احداث الساحل السوري
تعد الطائفة الدرزية في سوريا واحدة من الطوائف الصغيرة في البلاد لكنها تلعب دورًا مهمًا في السياقات السياسية والعسكرية والاجتماعية خاصة في مناطق جبل الدروز (جبل العرب) في جنوب سوريا.
تاريخيًا ، ارتبطت الطائفة الدرزية بالعديد من القضايا السياسية والعرقية في سوريا والمنطقة ، ولذلك كان لها تأثيرات متباينة على الأحداث التي شهدتها البلاد ، وخاصة في سياق الصراع السوري والأحداث الأخيرة في الساحل السوري.
أولاً : موقف الدروز في بداية الثورة السورية
في بداية الثورة السورية عام 2011، كانت الطائفة الدرزية في سوريا تشعر بالقلق تجاه تصاعد الصراع السياسي. ومع ذلك ، كانت غالبيتها تفضل الحياد ، حيث لم تشارك بشكل فاعل في الاحتجاجات المناهضة للنظام ، ولم تكن هناك مواقف علنية ضد النظام أو تأييد له في البداية. هذا الموقف كان ينطلق من الرغبة في الحفاظ على استقرار المنطقة التي يعيشون فيها ، وكذلك بسبب الروابط التاريخية مع النظام السوري.
ومع تصاعد العنف وتطور الأحداث في مختلف مناطق سوريا ، بدأت بعض القوى الدرزية تُظهر دعمًا غير مباشر للنظام السوري. وكانت العديد من المناطق الدرزية تتبع سياسات حماية تضمن أمنهم الاجتماعي والسياسي في ظل التوترات والتهديدات التي يشهدها البلد.
ثانياً : التطورات في الساحل السوري وأحداث 2015 – 2020
منطقة الساحل السوري ، التي تضم محافظات طرطوس واللاذقية تعد من مناطق النفوذ الكبيرة للنظام السوري ، ويعيش فيها العديد من الأقليات الطائفية مثل العلويين. في هذه الفترة ، تعرضت هذه المناطق للعديد من الهجمات من قبل المجموعات المسلحة المعارضة ، مما أدى إلى نزوح العديد من السكان في بعض الأحيان. لم يكن للدروز دور بارز في الصراع في الساحل السوري بالذات ، لكنهم كانوا يشاهدون تطور الأحداث في المناطق القريبة مثل حلب ودمشق ، وكانوا يشعرون بالتهديد من تصاعد العنف والطائفية في البلاد.
ورغم أن الطائفة الدرزية لم تكن من الأطراف الرئيسية المتورطة في المعارك في الساحل السوري ، فإن الضغوط التي تعرضت لها المناطق الأخرى من قبل المعارضين للنظام ، قد ألقت بظلالها على التوازنات السياسية والطائفية في سوريا. كانت هناك مخاوف كبيرة لدى الطائفة الدرزية من أن تترتب على هذه الصراعات تداعيات كبيرة على هويتهم ومستقبلهم في سوريا.
ثالثاً : الدور السياسي والعسكري للطائفة الدرزية
من الناحية السياسية ، حاولت الطائفة الدرزية في سوريا المحافظة على الحياد النسبي ، مستفيدة من العلاقات الخاصة التي تربطها بالنظام السوري في بعض الأحيان، خصوصًا في ظل العلاقة التاريخية التي تربطهم مع بعض الشخصيات النافذة في النظام. كما أن الدروز قد اعتادوا على العمل في إطار جماعي بعيدًا عن المواجهات العلنية مع القوى السياسية الأخرى.
أما من الناحية العسكرية ، فقد كان للدروز في سوريا قواتهم المحلية الخاصة مثل “اللجان الشعبية” في بعض المناطق ، وهي مجموعات قادرة على الدفاع عن المناطق الدرزية ضد التهديدات المسلحة. على الرغم من أن هذه القوات كانت تدعم النظام السوري في سياق الدفاع عن أمن المنطقة إلا أن الدروز في بعض الأحيان حاولوا الحفاظ على الاستقلالية وعدم التورط في المعارك الطائفية المباشرة.
رابعاً : تأثير التوترات الطائفية
في السنوات الأخيرة من الحرب السورية ، ساهمت التوترات الطائفية في تصعيد النزاع بين مختلف الطوائف في سوريا ، بما في ذلك بين السنة والشيعة. وهذا التوتر قد ينعكس أيضًا على الطائفة الدرزية التي تشعر بالتهديد من قبل بعض المجموعات المسلحة التي تستهدف الأقليات في سوريا. ومع انتشار بعض الأخبار عن استهداف الأقليات الدينية ، بما في ذلك الدروز ، كانت هذه التوترات تُعزز من ضرورة حماية الطائفة الدرزية من بعض القوى المتطرفة.
خامساً : موقف الدروز في مواجهة التدخلات الإقليمية
شهدت الساحة السورية تدخلات إقليمية عديدة ، بما في ذلك التدخلات التركية والإيرانية ، بالإضافة إلى تدخلات من قبل الدول الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة. الطائفة الدرزية في سوريا كانت تراقب تلك التدخلات بحذر شديد ، حيث كانت تدرك أن التصعيد الخارجي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراع الداخلي في البلاد. كما أن الخوف من تزايد النفوذ الإيراني
في المنطقة جعل الطائفة الدرزية في سوريا تبحث عن حماية سياسية وعسكرية تضمن أمنها في المستقبل.
سادساً : التفاعل مع القوات الروسية
الروس كانوا على علاقة وثيقة مع الحكومة السورية في السنوات الأخيرة وشهدت مناطق الدروز في سوريا بعض المساعدات العسكرية والسياسية من قبل القوات الروسية. القوات الروسية التي كانت تساهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في بعض المناطق ، اعتبرت الطائفة الدرزية عنصرًا أساسيًا في أي حل مستقبلي في سوريا ، حيث أن استقرار مناطق الدروز يشكل عاملًا مهمًا في الأمن الإقليمي.
سابعاً : مستقبل الطائفة الدرزية في سوريا
مستقبل الطائفة الدرزية في سوريا يظل مجهولًا إلى حد كبير. من المتوقع أن تسعى الطائفة للحفاظ على وضعها الأمني والسياسي من خلال التحالفات الإستراتيجية مع النظام السوري أو مع القوى الإقليمية المؤثرة. في الوقت نفسه ، ستظل الطائفة الدرزية في سوريا تتعامل بحذر مع تداعيات الحرب السورية ، وقد تسعى إلى ضمان حماية ثقافتها وهويتها في وجه التحديات المستقبلية.
الطائفة الدرزية في سوريا لعبت دورًا محوريًا في توازن القوى المحلي وقد عملت على الحفاظ على وضعها المستقل خلال سنوات الحرب.
في ظل الوضع المعقد للصراع السوري ، يبدو أن الدروز سيكون لهم دور مهم في تحديد مستقبل المناطق التي يسيطرون عليها.
ومع استمرار التدخلات الإقليمية والتحديات الداخلية ، سيظل الدروز يسعون إلى الحفاظ على حيادهم وحماية مصالحهم السياسية والعسكرية في سياق الصراع السوري المستمر.