✍️ يوحنا عزمي
في الآونة الأخيرة ، شهدت الساحة السياسية والعسكرية تصاعدًا في التوترات ، حيث وجهت إسرائيل غارات جوية على مواقع في اليمن ، ما أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء هذا الهجوم ، فضلاً عن السيناريوهات المحتملة للتصعيد في المنطقة ، خصوصًا فيما يتعلق بإيران. هذا التصعيد العسكري يأتي في سياق أوسع يشمل الخلافات الإقليمية والتهديدات الأمنية التي يتعرض لها الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.
السبب وراء الغارات الإسرائيلية على اليمن
الغارات الإسرائيلية على اليمن تأتي في سياق سلسلة من التحركات العسكرية والتكتيكية التي تهدف إلى التأثير على محوري الشرق الأوسط. لكن قبل الغارات الإسرائيلية الأخيرة ، كان الوضع في اليمن متوترًا بسبب الحرب المستمرة منذ عدة سنوات بين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف العربي بقيادة السعودية. هذه الحرب أدت إلى نزاع طويل الأمد داخل البلاد ، مما جعلها بيئة خصبة للتدخلات الإقليمية والدولية.
إسرائيل ، في هذا السياق ، تدعي أنها تستهدف أنشطة عسكرية محتملة تهدد أمنها القومي ، حيث يُعتقد أن إيران تقدم دعمًا عسكريًا مباشرًا لجماعة الحوثي في اليمن. قد تكون الغارات الجوية الإسرائيلية بمثابة رد مباشر على تزايد تأثير إيران في المنطقة ، وبالتحديد في اليمن، حيث تعمل طهران على تعزيز وجودها العسكري وتوفير الأسلحة والتدريب لجماعة الحوثي. كذلك ، يعد الوجود الإيراني في اليمن تهديدًا إستراتيجيًا لإسرائيل ، خاصة في حال توسع الحضور العسكري الإيراني في المنطقة.
إيران : عامل رئيسي في التصعيد العسكري
إيران تعد اللاعب الأساسي في هذا التصعيد الإقليمي ، فهي لا تعتبر اليمن مجرد ساحة حرب بالوكالة فحسب، بل جزء من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها الإقليمي. دعم إيران للحوثيين يعكس إستراتيجية طهران الهادفة إلى نشر نفوذها على طول “الهلال الشيعي”، الذي يمتد من طهران عبر العراق وسوريا إلى لبنان ، وصولًا إلى اليمن.
هذه السياسة الإيرانية تثير القلق في إسرائيل ، التي ترى أن وجود جماعات مدعومة إيرانيًا على حدودها يعد تهديدًا مباشرًا. التصعيد الأخير من قبل إسرائيل ضد اليمن يمثل خطوة ضمن سلسلة من التحركات الاستباقية التي تقوم بها تل أبيب لمنع إيران من توسيع نطاق وجودها في المنطقة.
السيناريوهات المحتملة للتصعيد ضد إيران
أولاً : التصعيد العسكري المباشر
إن الهجوم الإسرائيلي على اليمن قد يكون مجرد بداية لحملة أوسع ضد المنشآت العسكرية الإيرانية في المنطقة. إذا استمر تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل ، قد نشهد ضربات عسكرية مباشرة ضد منشآت إيرانية في سوريا أو العراق أو حتى داخل إيران نفسها. إسرائيل ربما تستغل هذا التصعيد لمنع إيران من تعزيز قواتها العسكرية في هذه المناطق ، خاصة من خلال تدمير المنشآت الإيرانية المرتبطة ببرامج الصواريخ والطائرات المسيرة.
ثانياً : تزايد الحرب بالوكالة
إيران، بدورها، قد ترد باستخدام جماعاتها المسلحة في العراق وسوريا ولبنان. يمكن أن يشهد الوضع مزيدًا من الهجمات بالوكالة ضد أهداف إسرائيلية أو غربية في المنطقة. من المحتمل أن تستخدم طهران هذه الجماعات لتعزيز نفوذها الإقليمي وتحقيق الردود المناسبة على الهجمات الإسرائيلية.
ثالثاً : التصعيد في مضيق هرمز
من السيناريوهات المحتملة أيضًا هو تصعيد التوترات في مضيق هرمز الذي يعد نقطة استراتيجية حيوية للملاحة العالمية والاقتصاد العالمي بسبب أهمية صادرات النفط. إذا شعرت إيران بالتهديد المتزايد من الحصار أو الضغوط العسكرية ، قد تلجأ إلى تهديد خطوط الملاحة الدولية أو تنفيذ عمليات ضد ناقلات النفط أو السفن التجارية.
رابعاً : اتفاقات دولية لتقليل التوترات
في المقابل ، قد تسعى القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا إلى التدخل للحد من التصعيد العسكري المباشر ، عبر وساطات دبلوماسية أو اتفاقات لخفض التصعيد. يظل الحل الدبلوماسي أحد السيناريوهات التي سعت إليها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة عبر مفاوضات مع إيران لكن حاليًا تظهر علامات تشدد في السياسات الغربية والإسرائيلية تجاه إيران.
الغارات الإسرائيلية على اليمن ليست إلا جزءًا من لعبة معقدة بين القوى الكبرى في المنطقة ، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية. في حين أن التصعيد العسكري ضد إيران قد يبدو محتملًا، إلا أن الآفاق السياسية ما تزال مفتوحة للتفاوض والوساطة. مع ذلك ، يبقى السؤال المهم هو مدى قدرة هذه الأطراف على تفادي المواجهة المباشرة أم أن المنطقة ستغرق في مزيد من الصراعات العنيفة.
بعد ان يتمكن الأمريكيون من قطع الاذرع الإيرانية في اليمن بحربهم الدائرة حاليا علي الحوثيين بهذا المستوي من الضراوة والعنف الذي يصفه الرئيس الأمريكي ترامب بالجحيم غير المسبوق الذي لن يترك مكانا واحدا. في اليمن إلا سوف يطاله ويدمره.. سوف تجد إيران نفسها تحارب وحدها بعد ان قطعت إسرائيل باقي اذرعها الضاربة في المنطقة وبالأخص في لبنان وسوريا بينما اسطاعت أمريكا بضغوطها وتهديداتها وانذاراتها للعراق شل أذرع إيران فيها لما سوف يترتب علي انفلاتها او تهورها من عواقب كارثية سوف يدفع العراق كله ثمنا فادحا فيها .. ولهذا توقفت وخرجت من المعادلة وهذا هو الموقف بالنسبة لإيران الآن بعد كل ما جري خلال الفترة الماصية.
وفي رأيي ان حلفاءها الروس والصينيين او شركاءها الاستراتيجيين حسب وصفها لعلاقتها بهم ، لن يجراوا علي التدخل إلي جانبها بأي شكل من اشكال الدعم العسكري المباشر لها ، لأن ما سوف يترتب علي تدخلهم من تبعات وعواقب بالنسبة لهم وللعالم كله سوف تكون كارثية ومدمرة اخذا لردود فعل الرئيس الأمريكي ترامب المحتملة في الإعتبار.
ولا اعتقد ان إيران مهمة لروسيا والصين إلي الحد الذي يجعلهم يتورطون مع امريكا في حرب عالمية نووية قد تدمر لهم بلادهم. وهذا هو ما استبعده تماما. وغير ذلك من الافتراضات والحسابات والتوقعات ستكون بلا أساس وغير واقعية بالمرة ..
فالصين تعرف مصالحها وتتابعها بحذر وبدبلوماسية غاية في التعقل وإلا لكانت غامرت بمثل هذه الحرب من اجل تايوان وليس إيران ، وروسيا ما تزال غارقة في حربها في اوكرانيا وهي الحرب التي خسرت فيها الكثير ولا أتصور أنه سوف يكون من المنطقي او من العقلانية في شيئ ان تقامر بالدخول مرة اخري في حرب ضد امريكا من اجل إيران ..وكل ما يقال علي العكس من ذلك لا يعدو ان يكون من قبيل المناورات لا اكثر .. والرئيس بوتين هو اول من يعرف ذلك.
هذا يجعلني اقول وعن اقتناع تام ان إيران سوف تكون الهدف القادم بعد اليمن للرئيس ترامب ، وربما يأتي الهجوم عليها في سياق الهجوم الواسع الذي يدور حاليا ضد الحوثيين في اليمن لارباك الجبهتين الإيرانية واليمنية ولافشال حساباتهما ورهاناتهما وخططهما وتنسيقاتهما لعملياتهما المشتركة بفصلهما عن بعضهما لتحارب كل منهما معركتها وحدها بمعزل عن الجبهة الاخري.
واعتقد ان هذا الافشال هو أساس الرهان الذي يعقده المخططون الاستراتيجيون والعسكريون الأمريكيون علي ما هم مقدمون عليه
لإلحاق هزيمة عسكرية سريعة وفادحة بالطرفين الإيراني واليمني في آن واحد وباقل تكلفة ممكنة .. وهذا هو ما يتسق مع منطق التحليل الموضوعي والواقعي للموقف الراهن بالنسبة لنا او من وجهة نظرنا كمحللين سياسيين.
والخلاصة هي ان المنطقة مقبلة علي حريق كبير سوف يقلب كل المعادلات والحسابات الراهنة راسا علي عقب ، ومن خلال هذه المتغيرات الجديدة سوف تتشكل ملامح ما يعتقد الأمريكيون وحلفاؤهم الإسرائيليون شرق اوسط جديد ومختلف ، شرق أوسط تكون الهيمنة الكاملة عليه لهم ، ولكن هذه المرة بدون إيران .. او اي إيران اخري قد تظهر مستقبلا.