✍️ يوحنا عزمي
في كل مرة يظن فيها العالم أنه شاهد كل شيء ، تأتي أمريكا وتثبت أنها ما زالت قادرة على صناعة الجنون.
لكن مهلاً .. هذه المرة ليست حرب طائرات ، ولا معارك دبابات ولا قنابل ذرية تهدد المدن.
هذه حرب من نوع آخر .. حرب لا تسمع فيها دوى المدافع بل صرخات أسواق المال ، وانهيارات العملات ، وتفتت التحالفات الإقتصادية كما يتفتت الزجاج تحت الأقدام.
اليوم ، وبلا مبالغة ، العالم استيقظ على أول أيام الحرب العالمية الثالثة – ولكنها حرب الاقتصاد ، وحرب العملات ، وحرب البقاء للأقوى أو بالأدق : للأكثر دهاءً
ترامب .. الجنرال المجنون الذي ألقى قنبلة اقتصادية على الصين.
من واشنطن ، وتحديدًا من المكتب البيضاوي ، أطلق ترامب قراره الكارثي برفع الجمارك على المنتجات الصينية بنسبة غير مسبوقة وصلت إلى 125% .. هل تتخيل الرقم ؟!
هذه ليست مجرد عقوبات اقتصادية … هذا إعلان حرب صريح بلهجة أمريكية متغطرسة.
والصين ؟ لم تصمت ، لم تهرب ، لم تخضع.
بل ردت مباشرة بجمارك انتقامية على السلع الأمريكية بنسبة 84% ، ثم جاءت المفاجأة الكبرى : الصين تبدأ أول خطوة في تاريخها لمحاربة الدولار علناً.
الاقتصاد العالمي ينهار .. وأسواق المال تصرخ
– انهارت البورصات كأنها قطعة دومينو انهار أولها فسقطت كلها.
– البورصات الأوروبية تنزف بلا توقف.
– الشعب الأمريكي يعود لتخزين الأرز والسكر والمياه كما لو كان على أبواب نهاية العالم.
وفي خضم هذا الجنون .. خرج ترامب بتصريح صادم لا يقوله إلا زعيم يريد أن يبتلع العالم أو يحرقه :
“زعماء العالم يقبلون مؤخرتي ليخفضوا الجمارك”
نعم .. قالها حرفيًا.
السيناريو القادم : ماذا ينتظر العالم؟
هنا يجب أن نتوقف ، ونفكر بعمق.
العالم اليوم يقف على أعتاب مرحلة جديدة تمامًا
وهذه أبرز السيناريوهات المتوقعة
1. تفكك سلاسل التوريد العالمية
لن تعود الصين مصنع العالم كما كانت. العالم سيبحث عن بدائل في الهند ، فيتنام ، أمريكا اللاتينية. لكن سيظل يدفع الثمن سنوات طويلة.
2. ظهور تحالفات اقتصادية جديدة
الصين وروسيا وإيران وأفريقيا ودول جنوب شرق آسيا
الكل سيحاول الهروب من قبضة الدولار الأمريكي.
3. إنهيار عملات .. وصعود عملات
اليوان الصيني قد يصبح عملة دولية قوية ، واليورو سيحاول الحفاظ على تماسكه ، بينما ستنهار عملات الدول الضعيفة اقتصاديًا.
4. الحروب لن تبقى اقتصادية فقط
إذا فشلت أدوات المال .. سيفكر الجنون الأمريكي والصيني في شيء أبشع : المواجهة العسكرية المحدودة في مناطق النزاع ( بحر الصين الجنوبي ، تايوان أو حتى الشرق الأوسط ).
كلمة أخيرة … هذا العالم لن يعود كما كان ، هذه ليست أزمة وتنتهي. هذه ليست لعبة سياسية وستتراجع.
نحن أمام نهاية نظام عالمي استمر منذ الحرب العالمية الثانية وبداية نظام جديد لا يعرف الرحمة ، ولا يحترم القوانين القديمة ولا يؤمن بحدود أو تحالفات ثابتة.
أمريكا تراهن على أن تحرق الجميع .. وتبقى وحدها وسط الرماد.
والصين تراهن على النفس الطويل .. حتى يسقط المتهور الأمريكي في فخ طمعه وغروره.
أوروبا .. تحاول ألا تغرق بين الوحشين.
أما نحن ، في هذا الشرق الممزق .. فقد أصبحنا مجرد ساحة معركة جانبية في حرب لا ترحم ، بين عمالقة لا يعرفون الشفقة.
الشرق الأوسط .. رقعة الشطرنج التي ستُحطمها الحرب القادمة.
حينما يتصارع الأباطرة الكبار .. نحن دائماً وقود النار.
نحن أبناء هذه الأرض الملعونة بالثروات ، المبتلاة بالجغرافيا المنكوبة بتاريخها ، والمحاصرة بأطماع الكبار منذ فجر التاريخ.
في كل مرة يشتعل فيها صراع عالمي .. يصبح الشرق الأوسط هو “الطبق الرئيسي” على مائدة الكبار.
واليوم ، ومع احتدام الحرب الاقتصادية العالمية ، لا يختلف المشهد كثيراً .. بل هو أشد قسوة.
سيناريو الرعب القادم إلى المنطقة
1. النفط .. من كنز إلى لعنة : أمريكا ستضغط بكل قوتها لخفض أسعار النفط ، لتدمير الاقتصاد الروسي والإيراني والخليجي معاً بينما الصين ستحاول عقد صفقات سرية لشراء النفط باليوان بعيداً عن الدولار.
النتيجة .. أسواق الخليج ستعيش بين نيران واشنطن ووعود بكين .. لكن من يضمن أن يبقى الخليج آمناً وسط هذا الجنون العالمي؟
– الحروب بالوكالة ستتفجر أكثر.
– اليمن سيبقى ساحة صراع إيرانية – أمريكية.
– لبنان سيغرق أكثر في الانهيار.
– سوريا ستعود للاشتعال إن اقتضت المصالح.
– العراق سيتحول إلى رقعة شطرنج بين الصين وأمريكا.
– ليبيا ستصبح فندقاً لتصفية الحسابات الإقتصادية.
إسرائيل .. اللاعب الأخطر في الخفاء
بينما يشتعل العالم ، ستعمل إسرائيل على فرض نفسها كقوة إقليمية اقتصادية وعسكرية بديلة عن العرب المتعبين.
ستدعم أمريكا بكل قوتها .. ستفتح أسواقها أمام التكنولوجيا الصينية بحذر.
وستتآمر بصمت لسرقة الغاز العربي ، والمياه ، وحتى الأدمغة العربية المهاجرة.
الشعوب العربية … وحدها في العراء
– الجنيه المصري سينهار أكثر إذا اشتد الصراع العالمي.
– الليرة اللبنانية لا أمل لها.
– الدينار التونسي والدرهم المغربي والريال اليمني .. كلهم في مهبّ الريح.
– البطالة ستتضاعف.
– الغذاء سيصبح سلعة نادرة في بعض الدول.
– الهجرة .. ستتحول إلى طوفان بشري لن يوقفه شيء.
سؤال النهاية القاسي
هل سيبقى العرب متفرجين على نهاية العالم من شرفات الذل والفقر والانقسام؟
أم سنشهد معجزة كبرى … نهضة عربية وسط الخراب العالمي؟
الحقيقة المؤلمة .. التاريخ لا يعرف المعجزات
بل يعرف القوة ، والوحدة ، والذكاء فقط.