لماذا يتآمر الغرب على خفض سكان العالم؟
✍️ يوحنا عزمي
– كيف تسعى النخب الغربية لضبط الزيادة السكانية عبر رأسمالية الكوارث؟
– الصوابية السياسية والعولمة : كيف تدمر الأسرة وتحد من النمو السكاني؟
– الأوبئة والجوائح أصبحت تشكل ملامح النظام الاقتصادي الغربي.
– حروب الجوع والخبز والطعام والقمح من أدوات الإبادة الغربية.
في 7 يونيو 2023، صرح “جون كيري” ممثل الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون المناخ بأن العالم لا يمكنه ان يتحمل 10 مليار نسمة! اطلق كيري هذا التصريح دون استطراد ، ولكن المناقشات جارية بالفعل حول العالم بأن الموارد الطبيعية لكوكب الأرض لم تعد كافية أمام موجات الزيادة السكانية ، وبينما خبراء السياسة يحاولون وضع تصريح كيري في إطاره الموضوعي ، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتاريخ 29 سبتمبر 2023 بالقول “نظام المؤسسات المالية الحديثة يخدم مصالح “المليار الذهبي” فقط وقادة دول المليار الذهبي”.
هنا فحسب تذكر المراقبون هذا المصطلح وتلك النظرية التي تتردد في أروقة الغرب منذ عقود بل يعود جذورها إلى عصر التنوير الإنجليزي في القرن الثامن عشر.
المليار الذهبي ليست نظرية مؤامرة ، ولكن هي مخاوف لدى الغرب من عدم قدرة الموارد الطبيعية على الإيفاء بحاجات البشر في ظل الزيادة السكانية ، وذهبت بعض جمعيات النخب السرية او شبكات المصالح الغربية التي تدير حكومات الغرب بأن تنفيذ جوائح واوبئة ومذابح وكوارث بشكل دوري امر مهم للتخلص من تلك الزيادة السكانية.
قد يبدو هذا الحديث خرافة ، ولكن السطور المقبلة تحمل التوثيق اللازم له ، أول من فكر في عدم قدرة الموارد الطبيعية في مواكبة الزيادة السكانية هو “كوينتوس سيبتيموس ترتليان”، رجل دين مسيحي في العصر الروماني عاش في القرن الثاني والثالث ميلادياً، هو اول من رصد فكرة ان العالم سوف يحارب في يوم من الأيام من اجل خفض وفرملة الزيادة السكانية.
وفى عصر التنوير الإنجليزي ، العالم الإنجليزي توماس روبرت مالتوس عام 1798 أسس النظرية المالتوسية وهى عبارة عن عملية حسابية تكشف لنا الزيادة السكانية المتوقعة كل 25 عاماً، وأشار هذا العالم الإنجليزي في كتاباته الى ان العالم سوف يدخل في مجاعة عالمية وفوضى واضطرابات اذا ما استمرت الزيادة السكانية بهذا الشكل.
مالتوس دعا الى اخراج المرأة للعمل العام حتى يتم تفكيك الشكل التقليدي للأسرة وبالتالي إيقاف الإنجاب ، كما دعا الى حرية الشذوذ الجنسي بين الرجال ، فقد كانت رؤية مالتوس ان الحل في فرملة الزيادة السكانية هو فرملة ممارسة الجنس العائلي بين الزوج والزوجة ، وذلك بترغيب المرأة في العمل العام بدلاً من الزواج وفى ترغيب الرجل بممارسة اللواط مع الرجل بدلاً من ممارسة الجنس مع المرأة.
وكان لمالتوس أفكار متطرفة في هذا الشأن وصلت إلى أنه لمح ان السيد المسيح شجع على الشذوذ الجنسي ورحب به في الانجيل علماً أنه أمر ترفضه العقيدة المسيحية بشكل قاطع.
ومع ذلك لم يظهر مصطلح المليار الذهبي إلا في الصحافة السوفيتية في سبعينات القرن العشرين ، وذلك في الإشارة إلى رصد المخابرات السوفيتية لمخطط غربي يسعي إلى خفض التعداد السكاني لكوكب الأرض إلى مليار نسمة فحسب ، وأنه في إطار هذا المسعي فأن الغرب ينفذ حروب الجوع والفقر والخبز والطعام على دول الكتلة الشرقية والعالم الثالث حتى يظفر بخيرات الكوكب سكان الكتلة الغربية ، ما يعني الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلاندا وكندا وأوروبا او مصطلح النخبة الغربية كما رددته الصحافة السوفيتية وقتها.
وفى الساعات الأخيرة من عمر الإتحاد السوفيتي ، نشر الخبير الاقتصادي الروسي أناتولي تسيكونوف عام 1990 كتابه الأشهر بعنوان «مؤامرة الحكومة العالمية.. روسيا والمليار الذهبي»، وهكذا أصبح المصطلح له تأصيل ثقافي واكاديمي.
ولكن المفارقة ان هذا المخطط قد تم فضحه على يد العديد من الأقلام والمفكرين في الغرب بل في الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل الصحف السوفيتية او العالم الروسي أناتولي تسيكونوف ولكن من دون استخدام مصطلح المليار الذهبي.
عام 1977 صدر كتاب بعنوان “الغذاء أولاً: ما وراء أسطورة الندرة” وصدرت طبعته العربية بعنوان “صناعة الجوع: خرافة الندرة”
المؤلفة هي الباحثة فرانسيس مورلابيه الخبيرة الاكاديمية في الشؤون الزراعية والتعاونية والغذائية ، وشاركها في تأليف الكتاب جوزيف كولينز الخبير في شؤون الشركات متعددة الجنسيات وله كتاب مهم بعنوان «المدى العالمي.. قوة الشركة متعددة الجنسيات».
الكتاب يكشف ان الغرب عبر الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات ، والبنك الدولي إضافة إلى صندوق النقد الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، يقوم بعرقلة وفرملة اى دولة خارج نطاق العالم الغربي تسعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من مواردها او توظيف مواردها بشكل صحيح في مشروعها السياسي او الاقتصادي او التنموي ، وذلك بمحاولة اجبار تلك الدول على تنفيذ إصلاحات سياسية او اقتصادية اما ليبرالية كلاسيكية او نيوليبرالية مع التشجيع على الاستدانة والاقتراض الدائم من اجل بدء بيع خيرات تلك البلاد الى الغرب عبر برامج سداد او مبادلة الديون.
الكتاب يشرح ان التضخم والكوارث الاقتصادية وحروب العملات صناعة غربية بحتة ، وان الغرض هو ان تقوم دول العالم بتصدير افضل ما لديها الى الغرب، واستيراد أسوأ ما في الغرب بدلاً من ذلك.
الكتاب صدر عام 1977 ولم يكن مصطلح العولمة وموبقاتها قد ظهر بكثافة ، ولكن الكتاب يشرح على وجه التحديد اجندة العولمة النيوليبرالية الرأسمالية حالياً.
الكتاب يشرح ان فخ الديون وميراث الاستعمار ليس بالأمر الجديد، وان الفيلسوف جون ستيوارت ميل قال أن المستعمرات هي مجرد فرع من النظام الزراعي للمركز المستعمر ، وان هذا النمط من الإصلاح السياسي والاقتصادي يعتبر واحد من تعريفات ما يطلق عليه “الاستعمار الاقتصادي”.
الكتاب يقول في العام 1977 ان الرأسمالية بدأت مرحلة الكفاح ضد بقية سكان الكوكب من اجل خفض الزيادة السكانية، والهدف هو استيلاء الغرب على خيرات الشرق ، على ان تتركز ثروات العالم في يد 1 % من نخبة البشر في الغرب ، وهم من يطلق عليهم مصطلحات عدة مثل شبكات المصالح الغربية او جمعيات النخب السرية او اهل النفوذ وغيرها من المصطلحات التي تشير الى تجمع لمصالح اقتصادية هائلة تحكم الغرب منذ مئات السنين من خلف الستار.
وعلى وقع تلك الكتابات، بدأت الدراسات تخرج واحدة تلو الأخرى، ان الصراع الدولي ليس مجرد صراع نفوذ بين الدول الكبرى، ولكن هنالك نمط سائد بل وهدف مشترك بين الدول الكبرى تم تنفيذه في كافة مؤتمرات الصلح هو تقاسم النفوذ على حساب دول الكتلة الشرقية والعالم الثالث ، وان صناعة الحروب الأهلية والحروب الإقليمية والأزمات الاقتصادية وحتى الأوبئة والامراض والأزمات الغرض منه ان تتخلص الدول الكبرى من شبح قيام امبراطورية او منافس من الشرق كما حدث مراراً مع الدولة المصرية واخرها تجربة محمد على باشا الذى كاد ان يصل الى قلب الدولة العثمانية وتصبح مصر للمرة الأولى تقع حدودها الشمالية في أوروبا الشرقية.
واصبح واضحاً ان الهدف هو تطويق الدول المرشحة للمنافسة والصعود او التي لديها مقومات الصعود السياسي، واجهاض تجاربها مبكراً، وتركها في حالة ما بين اليقظة والموت ، ما بين الصعود والانهيار ، فلا هي صعدت من عنق الزجاجة ولا هي سقطت الى قاع الكوكب، هي في حالة سعي دائم ابدى بدون نتيجة.
خرجت كتاب رأسمالية الكوارث، وعشرات الكتب عن حرب العملات، ومافيا الأوبئة والأدوية ، وشبكات نشر الدعارة والاجهاض والمخنثين والمثلية والتحول الجنسي والراديكالية النسوية والبيدوفيليا ، وان كافة تلك الأفكار الليبرالية تحقق مكاسب هائلة لمخازن اباطرة العولمة ، كما ان الرابط الوحيد تقريباً بين كافة تلك الأفكار هو انها تفرمل الزيادة السكانية وتدمر الشكل النمطي للأسرة والشكل التقليدي للرجل والمرأة والطفل ما يؤدي بدوره الى فرملة الزيادة السكانية.
ولكن العام 1999 حمل تأكيد صريح لهذه الأفكار، حيث صدر كتاب تقرير لوجانو والذى يضم وثائق لسلسلة من الاجتماعات فحسب.
مؤلف الكتاب هي السيدة سوزان جورج فرنسية من أصول أمريكية، شاركت في تأسيس معهد أمستردام او المعهد العابر للحدود الوطنية وهو معهد متخصص في التحقيق والكشف عن مخططات العولمة.
في كتابها تقرير لوجانو الموثق ، تم رصد سلسلة اجتماعات حصلت في مدينة لوجانو السويسرية سنة 1996، حضرها اعظم العقول الغربية وقتها في المخابرات والجيوش والاقتصاد والحروب البيولوجية وخبراء السكان، وتم وقتها اعتماد سيناريو المليار الذهبي بشكل نهائي المتداول اليوم باعتباره مجرد نظرية مؤامرة.
خرجت توصيات من اجتماعات لوجانو الى كافة حكومات ومؤسسات وشبكات الغرب، بأنه وبأرقام العام 1996، فأن العالم يزداد سنوياً 81 مليون نسمة ، منهم مليون نسمة فحسب في الكتلة الغربية ، وانه اذا لم يتحرك الغرب فأن الزيادة السكانية العالمية سوف ترتفع من 81 مليون نسمة سنوياً عام 1996 إلى 90 مليون نسمة سنوياً عام 2005 ثم الى 100 مليون نسمة سنوياً عام 2020.
والحل بحسب اجتماعات لوجانو هو ان التخلص من 100 مليون شخص سنوياً لمدة عشرين عاماً بشرط انه 90 % من الخسائر يجب ان تحدث خارج الكتلة الغربية ما يعني ان الغرب قبل ان يتحمل 10 % من الخسائر المخطط لها مقابل ان يحمل باقى العالم 90 % من تلك الخسارة.
وتم تنصيب الصين باعتبارها الهدف الأول في هذه اللعبة على ضوء انها الدولة الأعلى تعداداً في العالم ، الاجتماعات تحدثت انه الصين دولة بوليسية تخفي تعددها الحقيقي الذى يفوق بكثير فكرة المليار والـ 200 مليون نسمة.
وان الحل لتنفيذ تلك الابادة المنظمة الى جانب الحروب والأزمات والثورات الملونة والحروب الاهلية هو ابتكار تنفيذ جوائح امراض واوبئة عالمية بشكل منظم.
من قرأ تقرير لوجانو كاملاً فهم اللعبة، وكيف ان القرن العشرين لم يشهد سوى جائحة الانفلونزا الاسبانية ، بينما القرن الحادي والعشرين دون ان يكمل ربعه الأول قد شهد جوائح الايدز والايبولا وانفلونزا البقر والابل والخنازير وصولاً الى وباء كوفيد 19 الذى لا يزال بعد ست سنوات من بدايته يواصل استنزاف البشر.
لم يكن هذا هو الاكتشاف الأول للمؤلفة السيدة سوزان جورج ولكن عام 1976 نُشر أول كتاب لها بعنوان “كيف يموت النصف الآخر: الأسباب الحقيقية للجوع في العالم” وكتاب ” ملوك الظل: كيف تستولي الشركات العالمية على السلطة” سنة 2015 وكلاهما يواصل كشف ما كشفته في كتاب تقرير لوجانو.
ووسط كل أدوات الإبادة من اجل صناعة المليار الذهبي ، فأن الحرب الثقافية تعد الأخطر، لان الإبادة بالأوبئة والكوارث لا تعلق في الوعي الجمعي للشعوب، ولكن الأفكار، والحرب النفسية وحروب الوعي والمعنويات، قادرة على تخريب المجتمعات دون ان يتحرك العدو او ان يطلق رصاصة واحدة.
تطورت الحروب الثقافية مع بداية الحرب الباردة، على ضوء اقتناع اقطاب المعسكرين بصعوبة الذهاب الى الحرب المباشرة خاصة مع تسلح اكابر النظام العالمي بالسلاح النووي، وهكذا تضخمت أدوار الحروب الثقافية والنفسية، وأصبحت حروب الأفكار والايدولوجيات هي راس حربة الصراعات الدولية.
العولمة رغم انها ابنة المعسكر الرأسمالي، ولكنها قررت اقتباس ايدولوجيات يسارية وشيوعية وتقدمية من اجل التمكين في مفارقة تاريخية، وكان اهم واخطر ما اقتبسته العولمة او النظام الغربي وشبكات المصالح الغربية من اليسار هو “الصوابية السياسية” التي تعد في الأساس فكر اشتراكي شيوعي ولكن تمت مصادرته واصبح اليوم فكر نيوليبرالي ، ولكن العولمة هنا لم تصادر الفكر فحسب، ولكن انصار هذا الفكر من أبناء مدارس اليسار اصبحوا بوعي او بدون وعي ينتصرون للعولمة والرأسمالية والنيوليبرالية حول العالم بالانتصار للصوابية السياسية.
والمطلوب ؟ ان يشتهي الرجل ممارسة كل أنماط الجنس ما عدا الجنس الذى يؤدى الى الانجاب، ان يشتهي الرجل مضاجعة الرجال فحسب، او الرجال المتحولين للنساء غير القادرين على الانجاب، وان تشتهى السيدات مضاجعة السيدات فحسب ، اطلاق العناء للشذوذ والسحاق والمثلية والتحول الجنسي ، ان الطلاق هو سنة الحياة وليس الزواج، ان الاسرة والعائلة معطلة للمرأة النسوية، وان المساكنة وعلاقات جنسية بدون زواج وجنس ليلة واحدة فحسب مريح للطرفين بدلاً من هموم البيت الواحد وتكوين الاسرة.
ان اشتهاء الأطفال ليس جريمة وان الأطفال يستمتعون بذلك، ان الأديان التي ترفض كل تلك الأفكار هي نصوص رجعية عفا عليها الزمن ويجب نبذها، خيانة الوطن وجهة نظر والدين اصبح وجهة نظر، ان الانتماء لجنس او جندر او وطن او فكرة او مرجعية دينية او اخلاقية او وطنية كلها أمور تزكي الفطرة السوية ويجب ضربها، ومن اجل ضرب الفطرة السوية يجب تشجيع واطلاق العنان لحرية تعاطي المخدرات وكل ما يضرب العقل ويعرقله عن أداء دوره الوحيد بفاعلية.
وكان العصر الذهبي للصوابية السياسية هو فترة حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما ثم نائبه جو بايدن، وفى تلك الحقب صدرت حزمة من التشريعات التي قننت كافة أنواع المخدرات، والتحول الجنسي والاجهاض وحقوق الشواذ والسحاقيات والمخنثين، وتم إعطاء الأطفال حق اختيار النوع واذا ما اعترض الاهل يتم سحب الطفل من اهله بأحكام قضائية.
هستيريا العولمة النيوليبرالية الرأسمالية والصوابية اليسارية الماركسية الشيوعية الاشتراكية اصبحوا وجهان لعملة واحدة ، لذا لا عجب ان تصعد تيارات اليمين القومي واليمين المسيحي في أوروبا وامريكا على وقع هذا التطرف اليساري والليبرالي الذى تمارسه الحكومات الغربية الموالية للعولمة.