✍️ يوحنا عزمي
في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة ، تصاعدت التوترات مجددًا بين القوتين النوويتين في جنوب آسيا : الهند وباكستان ، بعد الهجوم الدموي في منطقة باهالغام بكشمير في أبريل 2025. هذه الحادثة ، التي أودت بحياة 26 شخصًا ، كانت الشرارة التي أشعلت فتيل صراع معقد ، تاريخي ، ومتجدد لا يعرف الهدوء طويلًا.
الهجوم .. النقطة التي فجرت برميل البارود
الهجوم الذي تبنته جماعة تُعرف باسم “جبهة المقاومة”، أعاد إلى الواجهة الاتهامات التقليدية بين الطرفين: الهند تتهم باكستان بدعم الإرهاب العابر للحدود ، وباكستان ترد بالنفي وتحذر من “مسرحية هندية لتبرير خطوات عدائية”.
لكن ما يميز هذا التصعيد عن سابقاته هو ليس فقط طبيعته الدموية أو توقيته الحرج ، بل طبيعة الردود المتبادلة ، التي لم تعد تقتصر على الدبلوماسية بل تعدّتها إلى التلويح بأوراق استراتيجية كبرى مثل اتفاقية مياه نهر السند، وهي شريان حياة باكستاني ، وتحرك نيودلهي نحو إجراءات اقتصادية ودبلوماسية عقابية.
مناورة أم نذير حرب؟
بعض المراقبين يرون في التصعيد الحالي مناورة سياسية داخلية، خاصة مع قرب الانتخابات المحلية في كلا البلدين ، بينما يرى آخرون أن الخطر حقيقي ، حيث لم تُبدِ أي من العاصمتين رغبة في التهدئة ، بل يتسابقان نحو مواقف أكثر تشددًا.
التحركات مثل إغلاق المجال الجوي ، تعليق اتفاقيات تاريخية، واستدعاء التهديدات النووية تُشير إلى احتمال خروج الأمور عن السيطرة ، خاصة في ظل غياب وسطاء فاعلين.
النووي .. فزاعة أم واقع محتمل؟
منذ عام 1998، حين أجرت الدولتان تجارب نووية متزامنة ، تحول النزاع الكشميري من صراع حدودي إلى أزمة وجودية مهددة بفناء متبادل. ورغم التطمينات المعلنة من الجانبين ، إلا أن أي حادث عابر يمكن أن يتحول إلى ذريعة لتبادل الضربات ، في ظل خطاب قومي متصاعد ، وإعلام شعبي يؤجج نار العداء.
المقلق أكثر أن عق Doctrine “الضربة الأولى” الهندية (التي تشير إلى سياسة انتقامية محدودة)، قد تتغير في ظروف معينة، بينما باكستان تُبقي خياراتها مفتوحة ، مما يجعل احتمالات الحسابات الخاطئة كارثية.
اللاعبون الكبار .. شطرنج دموي أم وساطة حقيقية؟
في العلن ، تدعو الولايات المتحدة والصين إلى ضبط النفس، لكن في الخفاء ، قد تكون كشمير اليوم ساحة تصفية حسابات بين واشنطن وبكين ، كل منهما يدعم حليفه الاستراتيجي ويُحرك بيادقه في رقعة الشطرنج الإقليمية.
هل تريد أمريكا إشغال الصين عبر دعم الهند؟
هل تحاول الصين توريط الهند في مستنقع حدودي لتخفيف الضغط عنها في بحر الصين الجنوبي؟
أم أن الطرفين يستخدمان باكستان والهند كسلاح سياسي في معركة اقتصادية عالمية؟
كل هذه الأسئلة تبقى مفتوحة ، والإجابة عنها ليست سهلة ، لكنها تقودنا لفهم أعمق لطبيعة الصراع الذي لم يعد محصورًا في كشمير فقط، بل أصبح جزءًا من التنافس العالمي بين القوى العظمى.
كشمير .. الجرح الذي لا يندمل
في ظل افتقار المنطقة إلى آلية فعالة لحل النزاعات ، واستمرار خطاب الكراهية ، وعدم وجود نية حقيقية للحوار، يبدو أن “طبول الحرب” التي تُقرع اليوم ليست مجرد إنذار ، بل مقدمة لسيناريو قد يكون الأسوأ منذ عقود.
ورغم أن كشمير هي السبب المعلن ، إلا أن الحقيقة الأعمق أن العالم يقف على حافة مواجهة نووية ، قد تبدأ هناك ، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ أين تنتهي.