مقالات

الإيجار القديم في مرمى التعديل : من يحمي المالك .. ومن يُنصف المستأجر؟

✍️ يوحنا عزمي

تعد قضية الإيجار القديم من أكثر القضايا المثيرة للجدل في المجتمع المصري ، حيث ارتبطت بتاريخ طويل من التشريعات 

التي كانت تهدف في البداية إلى حماية الفئات الإجتماعية الأضعف في أوقات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. 

ومع مرور الوقت ، أصبحت هذه التشريعات بحاجة إلى مراجعة شاملة تتواكب مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المجتمع المصري. 

اليوم ، يتصارع البرلمان والحكومة مع تحديات هذا الملف ، حيث تتنوع الآراء بين من يطالب بتعديل القانون لتلبية احتياجات الملاك والمستأجرين على حد سواء ، وبين من يرى أن التعديلات قد تكون جائرة بالنسبة لبعض الفئات ، خاصة كبار السن والفقراء.

ماذا يحدث الآن؟

اليوم ، وبعد عقود من تطبيق قانون الإيجار القديم ، أصبح من الواضح أن هذا القانون أصبح في حاجة إلى مراجعة جادة. 

فقد ارتفعت قيمة العقارات بشكل غير مسبوق ، بينما ظلت الإيجارات في بعض الأماكن ، مثل المناطق الراقية ، ثابتة لفترات طويلة. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار العقارات بشكل كبير ، ظل الملاك يتلقون إيجارات منخفضة ، مما جعل الكثير منهم يواجهون صعوبات في الصيانة والتطوير.

على الجانب الآخر ، يعاني المستأجرون من زيادة الضغط عليهم نتيجة الزيادة المستمرة في تكاليف المعيشة ، الأمر الذي جعل من الضروري إيجاد حلول توازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.

لماذا نحتاج إلى تعديل قانون الإيجار القديم؟

القانون الذي صدر في الستينيات لا يتماشى مع التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع المصري. بعد مرور أكثر من نصف قرن ، أصبحت بعض الأحكام غير ملائمة للواقع ، مما خلق فجوة كبيرة بين حقوق الملاك وحقوق المستأجرين. إضافة إلى ذلك ، أدى هذا القانون إلى تراكم المشاكل العقارية على مر السنين ، مما ساهم في أزمة الإسكان الحالية.

إن القوانين التي جرت على مدار العقود السابقة كانت تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وحماية الطبقات الضعيفة، ولكن الواقع الحالي يتطلب حلولاً أكثر مرونة وواقعية، بحيث تكون عادلة لجميع الأطراف ، بما في ذلك الملاك والمستأجرين على حد سواء.

أين الحل الحقيقي؟

مصر ، والقاهرة تحديدًا، بها ملايين الشقق المغلقة التي يمكنها أن تحل أزمة السكن برمتها ، لو كانت هناك نية حقيقية للإصلاح. لكن الأزمة لا تتعلق فقط بالقوانين ، بل بتوزيع الثروة ، بضعف الأجور، وباحتكار السوق العقاري.

هنا يأتي دور الحلول الواقعية

العقارات المغلقة : أي شقة أو محل مغلق يجب أن يُعاد للمالك فورًا. وإذا ثبت أن المستأجر أو أحد أفراد أسرته يمتلك عقارًا آخر داخل أو خارج المحافظة ، يتم سحب الشقة وإعادتها للمالك.

التوريث والإيجار : لا يجب أن يكون هناك توريث للعقارات المؤجرة. إذ يجب أن ينقضي العقد بوفاة المستأجر أو الوريث المقيم.

رفع الإيجار تدريجيًا : يجب رفع الإيجار بمعدل سنوي بنسبة 10%، مع تحديد حد أدنى وأقصى وفقًا للمنطقة ، على أن تعود الشقة للمالك حال وفاة المستأجر.

إعطاء فرصة للمستأجرين : وزارة الإسكان يجب أن تخصص وحدات سكنية لمستأجري الإيجار القديم ، بحيث يتمكنوا من التقديم للحصول على شقق تمليك ، وتكون فرصة لهم لتحسين وضعهم ، وبمجرد حصولهم على الشقة الجديدة ، يتم إعادة الشقة المستأجرة لصاحبها.

مقترحات لإنصاف كبار السن

ورغم أهمية تعديل هذا القانون ، إلا أن هناك فئة من الناس تحديدًا كبار السن على المعاش ، الذين يعتمدون على إيجارات منخفضة جدًا. إذا تم تحرير الأسعار بشكل مفاجئ ، سيكونون أول من يواجه أزمة حقيقية. لذا ، من الضروري أن تكون هناك حلول منصفة لهذه الفئة:

1. استثناء الزيادة لمدة 5 سنوات : تأجيل الزيادة على العقود القديمة حتى يتمكن المستأجرون من جمع مقدم شقق الإسكان الاجتماعي.

2. إلغاء بند التوريث : كبار السن الذين تجاوزوا سن الـ60 يجب أن يكونوا آخر من يسكن في الشقة ، وفي حالة وفاتهم، ترجع الشقة لورثتهم.

3. زيادة بنسبة 300% : في أول زيادة فقط، على أن تظل هذه الزيادة ثابتة حتى نهاية عمر المستأجر ، ما يساعد في زيادة دخل المالك، بينما يبقى كبار السن بعيدًا عن تأثيرات الزيادات الكبيرة.

اقتراحات للتعديل والخيارات الممكنة

1. تحرير السوق تدريجيًا : يجب أن يكون هناك فترة انتقالية للمستأجرين الحاليين ، بحيث تزداد الإيجارات تدريجيًا في فترة معينة ، مع مراعاة الظروف الاقتصادية للأفراد.

2. إعادة شقق الإسكان المغلقة : فتح المجال للاستفادة من الشقق المغلقة ، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص المعروض ، قد يكون جزءًا من الحل.

3. توفير شقق جديدة بأسعار معقولة : توفير وحدات سكنية بأسعار مناسبة للمستأجرين الحاليين مع إعطاء أولوية للفئات الأكثر احتياجًا ، مثل كبار السن أو ذوي الدخل المحدود.

4. إلغاء التوريث : يجب أن يكون هناك تحديد دقيق للورثة الذين يمكنهم الاستفادة من الإيجار القديم ، مع منحهم فرصة محدودة لتعديل وضعهم إذا كانوا غير قادرين على دفع الزيادة المطلوبة.

5. زيادة الأجور بشكل مرن : يجب تحديد سقف للزيادات السنوية في الإيجار بحيث لا تتجاوز القدرة المالية للمستأجرين ، مع مراعاة مناطق الطلب المرتفع.

دور الحكومة والبرلمان في حل أزمة الإيجار القديم

لقد شهدنا في السنوات الأخيرة محاولات جادة من الحكومة والبرلمان لطرح حلول لهذه الأزمة. الحكومة ، من خلال وزارة الإسكان ، بدأت في طرح مشروعات سكنية جديدة تتناسب مع احتياجات المواطنين ، ولكنها بحاجة إلى تكامل مع قوانين الإيجار القديمة التي ما زالت تشكل عبئًا على الدولة والمواطنين.

البرلمان ، من جانبه ، يواجه ضغطًا كبيرًا من مختلف الأطراف المعنية ، بين الملاك الذين يطالبون بحقوقهم في زيادة الإيجارات لتتناسب مع الأسعار الحالية ، وبين المستأجرين الذين يخشون من أن تؤدي أي زيادة إلى تشريدهم. لذلك، يعد الحوار بين البرلمان والجميع جزءًا من عملية البحث عن الحلول الوسط.

وزارة الإسكان : الدور المنتظر

وزارة الإسكان تعد أحد الأطراف الأساسية في حل هذه الأزمة حيث يمكنها تقديم حلول سكنية جديدة بأسعار معقولة للمستأجرين الذين لا يستطيعون تحمل الزيادات الكبيرة في الإيجارات. علاوة على ذلك ، يمكن أن تلعب الوزارة دورًا محوريًا في تنظيم السوق العقاري من خلال مشروعات الإسكان الاجتماعي، التي توفر وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود.

الوزارة مطالبة بأدوار حاسمة ، منها :

توسيع مشروعات الإسكان الاجتماعي.

طرح وحدات مخصصة لمستأجري الإيجار القديم.

العمل على قاعدة بيانات دقيقة تحدد الفئات الأحق بالحماية.

من أبرز الآراء التي تم طرحها ، إمكانية تعديل قانون الإيجار القديم بطريقة تدريجية تضمن مصالح جميع الأطراف. أحد الاقتراحات هو زيادة الإيجارات بنسبة معينة على مدار سنوات معينة ، مما يسمح للمستأجرين بالتأقلم مع الزيادات. كذلك ، هناك مقترحات بإلغاء التوريث لمن هم فوق الستين عامًا ، حتى لا يستمر الأبناء في الاستفادة من الإيجار القديم ، وهو ما يُعتبر أحد أوجه الظلم في هذا القانون.

كما أن إعادة شقق الإسكان المغلقة إلى الملاك ، وإلغاء بعض القيود التي تتيح لبعض المستأجرين الاحتفاظ بشقق ذات إيجارات منخفضة ، يمكن أن يساهم في حل جزء من الأزمة.

لا للحلول التي تُشرد الناس

المشكلة ليست فقط في الشقق ، بل في غياب الرؤية. من يريد أن يحل الأزمة فعليًا، لا يُشعل الصراع بين المستأجر والمالك ليستفيد وحده. بل يضع سياسة إسكان عادلة، تُراعي الإنسان أولًا ، قبل الجدران.

قضية الإيجار القديم ليست قضية سهلة الحل ، فهي تعكس صراعًا طويلًا بين الحقوق والتطلعات. وفي ظل هذا الصراع يجب أن تكون هناك حلول عادلة تحفظ حقوق جميع الأطراف سواء الملاك أو المستأجرين. وعلى الحكومة والبرلمان ووزارة الإسكان أن يعملوا معًا لإيجاد الحلول التي تحقق التوازن بين تشجيع الاستثمار العقاري وحماية حقوق المواطنين.

حلول بين التدرج والعدالة

تسليم الشقق المغلقة للمالكين.

منع التوريث التلقائي لعقود الإيجار.

رفع تدريجي للإيجار بنسبة سنوية.

استثناءات لكبار السن والمرضى.

إتاحة بدائل من خلال الإسكان الاجتماعي.

ماذا لو أختفي الإيجار القديم

أحد أخطر النقاط التي قد لا يعيها صناع القرار هو التأثير غير المباشر لتعديل أو إلغاء الإيجار القديم على سوق الإيجارات بالكامل. تحرير عقود الإيجار القديمة سيزيد فجأة الطلب على الوحدات السكنية ، في ظل محدودية المعروض ، ما قد يؤدي إلى قفزات جنونية في أسعار الإيجار الجديد.

تصور أن شقة كانت إيجارها 250 جنيهًا، تتحول فجأة إلى 5000 جنيه. هذا سيخلق عدوى تسعيرية في السوق كله ، فصاحب شقة الإيجار الجديد بـ3000 جنيه، سيجد نفسه “مظلومًا” مقارنةً بجاره وسيطالب بالمثل ، أو يطرد المستأجر ليعيد تسعيرها ، النتيجة؟ 

أزمة شاملة تهدد بتشريد الجميع : القديم والجديد معًا.

البرلمان بين أصحاب المصالح والدولة العميقة

مع بداية مناقشة القانون ، بدأت “الخناقة” الحقيقية داخل البرلمان. البعض يرى أن هناك قوى منتفعة ترفض المساس بالوضع القائم :

 شقق بإيجارات رمزية في الزمالك وجاردن سيتي ، يملكها مستأجرون أغنياء يسكنون في “كمبوندات” ولا تطأ أقدامهم الشقق القديمة. هؤلاء يرفضون التخلي عنها ، في وقت لا يحصل فيه المالك حتى على ما يعادل “ثمن كرتونة بيض” من الإيجار.

لكن هناك أيضًا مستأجرون حقيقيون ، بسطاء ، يسكنون في شقق متواضعة ومتهالكة. هؤلاء لا يملكون بديلاً ، ولا قدرة على الانتقال لشقق الإيجار الجديد أو الشراء. 

هل يعقل أن يتم طردهم بلا تعويض ولا بديل؟ 

هل يجوز أن يُدفع المجتمع كله ثمن تصحيح خطأ تاريخي ارتكبته الدولة منذ أكثر من 70 سنة؟

تصحيح خطأ عبد الناصر؟

هناك من يرى أن قانون الإيجار القديم هو الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها الدولة في عهد عبد الناصر، حين منحت المستأجر حقوقاً شبه مطلقة ، وحرمت المالك من التصرف في ملكه ، بما يخالف الدستور والشرع. ويرى هؤلاء أن هذا القانون ساهم في تدمير سوق الإسكان لعقود ، وأدى إلى ارتفاع أسعار التمليك ، وتشريد أجيال كاملة ، ودفع الشباب إلى الغربة فقط لأجل شقة.

لكن حتى هذا التصحيح” التاريخي ، يجب أن يتم بعقل وعدالة. فالمسألة لا تُحل بتشريد الناس أو خلق فوضى جديدة. أي حل لا يراعي ظروف السكان ومستأجري الإيجار الجديد – الذين لا ذنب لهم – هو حل غير عادل ، وغير إنساني.

هل المستثمرين مستفيدين من فتح ملف الإيجار القديم ؟

المستثمرون العقاريون يُعدون من أكبر المستفيدين من فتح ملف الإيجار القديم ، وذلك للأسباب التالية :

1. تحرير السوق : تعديل القانون سيفتح باب إعادة تسعير ملايين الوحدات ، ما يرفع قيمة العقارات ويزيد جاذبيتها للاستثمار.

2. زيادة المعروض الحقيقي : بمجرد استعادة الملاك لشققهم المغلقة ، سيُعاد ضخ ملايين الوحدات للسوق ، مما يحرك سوق البيع والشراء والتأجير.

3. تشجيع البناء الجديد : وضوح التشريعات يزيد من ثقة المستثمرين في ضخ أموالهم في مشروعات سكنية جديدة بدلًا من تجميدها خوفًا من قوانين جامدة.

4. زيادة أرباح شركات التطوير العقاري : ارتفاع أسعار الإيجارات يعني أرباحًا أعلى من مشروعات الإسكان الاستثماري.

5. إنعاش قطاعات مرتبطة : مثل مواد البناء ، شركات الإدارة والتمويل العقاري ، وكلها تستفيد من حركة السوق.

لكن يبقى التحدي في تحقيق التوازن بين مصلحة المستثمر وحق المواطن في السكن دون استغلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!