مقالات

النيل مقابل التهجير .. مصر تواجه الابتزاز الأمريكي في لحظة الحقيقة

✍️ يوحنا عزمي 

عندما يصل الصراع إلى لحظة المواجهة المباشرة ، تسقط الأقنعة وتسقط معها لغة الدبلوماسية. ما كان يدور في الغرف المغلقة خرج الآن للعلن : الولايات المتحدة تعرض على القاهرة صفقة صادمة ـ النيل مقابل التهجير. 

لم تعد واشنطن تختبئ خلف إثيوبيا أو إسرائيل ، بل قررت أن تدخل بنفسها إلى قلب المشهد ، في لحظة تشبه ما قبل الإنفجار الكبير.

مصر في قلب النار : كل الملفات مشتعلة

القاهرة تجد نفسها في مواجهة معادلة معقدة:

غزة تنزف وتواجه خطر التهجير الجماعي.

سيناء مرشحة لتكون ساحة التوطين القسري.

سد النهضة يهدد الأمن المائي المصري.

العلاقة مع واشنطن على المحك بين تحالف استراتيجي قديم وابتزاز مباشر جديد.

الصفقة التي طُرحت على الطاولة كانت واضحة :

 “إما أن تقبل مصر تهجير الفلسطينيين إلى سيناء مقابل تدخل أمريكي حاسم في أزمة السد ، أو تواجه ضغوطًا اقتصادية وسياسية لا قبل لها بها”.

الرد المصري : “الأمن القومي ليس للبيع”

الرهان الأمريكي كان أن القاهرة قد تضطر إلى المقايضة بين المياه والأرض. لكن الرد المصري جاء قاطعاً : لا مقايضة على سيناء. الأمن القومي خط أحمر.

وفي التوقيت الذي كان فيه دونالد ترامب يروج لمشروع “غزة بلا فلسطينيين”، أطلقت القاهرة ـ بالشراكة مع قطر ـ مبادرة لوقف إطلاق النار، أعلنت حركة “حماس” موافقتها عليها في 18 أغسطس 2025. بعبارة أخرى ، بينما واشنطن كانت تدفع نحو التهجير ، القاهرة دفعت نحو التهدئة.

خطة ترامب : غزة كمشروع استثماري بلا شعب

منذ فبراير 2025 ، تحدث ترامب بوضوح عن “امتلاك غزة”. ظهرت حتى فيديوهات ترويجية بعنوان “ترامب غزة” تُصور القطاع كمنتجع عالمي ، بفنادق فاخرة وشواطئ مهيأة للسياحة ، لكن دون أي فلسطيني.

الخطة ليست مؤقتة ولا مرتبطة بظروف الحرب ، بل إعادة هندسة ديموغرافية كاملة :

تهجير أكثر من مليوني فلسطيني نحو سيناء أو الأردن.

تحويل غزة إلى منطقة استثمارية خالصة.

التخلص من القضية الفلسطينية بجعلها أزمة لاجئين عابرة للحدود.

ورقة الضغط : سد النهضة كورقة مساومة

تعرف واشنطن أن أزمة السد تمثل التهديد الوجودي الأكبر لمصر. لذلك استُخدم الملف كورقة ضغط :

قبول التهجير = تدخل أمريكي فوري لإنهاء أزمة النيل.

الرفض = فقدان الدعم الأمريكي ، مع احتمال تصعيد اقتصادي وسياسي ضد القاهرة.

المعادلة تبدو قاسية : إما تهديد الأرض أو تهديد المياه.

الورقة المصرية المضادة : التهدئة بدل التهجير

القاهرة لم تكتف برفض العرض الأمريكي ، بل طرحت رؤية بديلة لإفشاله. المبادرة المصرية – القطرية تضمنت:

وقف إطلاق نار شامل لمدة 60 يومًا.

انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق السكنية.

إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا ، بينها 50 محملة بالوقود.

إنشاء 60 ألف وحدة سكنية و200 ألف خيمة لإيواء النازحين داخل غزة.

تبادل أسرى تدريجي يبدأ بالإفراج عن 200 فلسطيني مقابل رهائن إسرائيليين.

الرسالة واضحة : غزة ستبقى بغزاوييها ، لا بمنتجعات ترامب.

مشروعان متصادمان : بقاء الشعب أم تفريغه

المشهد بات صراعاً بين مشروعين متناقضين :

المشروع المصري : وقف الحرب ، تثبيت الفلسطينيين في أرضهم ، تمهيد لإعادة الإعمار.

المشروع الأمريكي – الإسرائيلي: تفريغ غزة ، إعادة تشكيلها اقتصاديًا وجغرافياً ، وإنهاء القضية الفلسطينية من جذورها.

كل طرف يعرف أن نجاح مشروعه مرهون بهزيمة الآخر.

التداعيات الإقليمية : ما بعد غزة

نجاح أو فشل المبادرة المصرية سيفتح أبواباً جديدة :

لو نجحت التهدئة : مصر تكرس نفسها كفاعل إقليمي مستقل وتفشل أخطر مشروع استيطاني – أمريكي منذ عقود.

ماذا لو فشلت :

احتمال اجتياح إسرائيلي كامل للقطاع.

نزوح جماعي باتجاه الحدود المصرية.

تهديد مباشر لاتفاقية كامب ديفيد.

تصعيد أمريكي اقتصادي وسياسي ضد القاهرة.

مصر بين خيارين : النار أو الضغط

المعادلة النهائية أمام القاهرة شديدة التعقيد :

القبول بالعرض الأمريكي يعني فتح أبواب جهنم على سيناء.

الرفض يعني مواجهة عقوبات وضغوط أمريكية.

لكن مصر تسير في خطين متوازيين :

1. سياسياً : طرح مبادرة تهدئة توقف نزيف الدم وتمنحها شرعية دولية.

2. ميدانياً : إستعداد عسكري على الحدود لأي محاولة نزوح قسري أو صدام مباشر.

لم تعد واشنطن وسيطاً في معادلة الشرق الأوسط ، بل أصبحت طرفاً مباشراً يلوح بالمياه مقابل الأرض. إسرائيل وإثيوبيا مجرد أدوات في يد اللاعب الأكبر.

المعركة الحقيقية اليوم هي : مصر × أمريكا.

السؤال الذي سيحدد ملامح المنطقة هو :

هل تنجح القاهرة في فرض التهدئة وكسر لعبة المقايضة الرخيصة؟

أم تُجر إلى مواجهة حدودية تُدخل المنطقة في مرحلة أكثر اشتعالًا من أي وقت مضى؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!