مقالات

الهند وباكستان .. صراع كشمير على حافة الهاوية النووية

✍️ يوحنا عزمي 

في واحدة من أخطر الأزمات الجيوسياسية لهذا العقد ، يشتعل التصعيد العسكري بين الهند وباكستان مجدداً، ليعيد إلى الواجهة مأزق الردع النووي في جنوب آسيا ، حيث تتقاطع الحسابات العسكرية مع التحالفات الإقليمية ، وتتحول الأخطاء الصغيرة إلى شرارات قد تشعل حرباً كبرى.

كشمير .. جرح مفتوح

إقليم كشمير ، الذي ظل منذ عام 1947 ملفاً غير محسوم في تقسيم شبه القارة ، هو البؤرة الأساسية لهذا التوتر. الحدود غير المرسومة، النزعات القومية ، والادعاءات التاريخية جعلت منه ساحة اختبار دائم لقوتين نوويتين تمتلكان معاً أكثر من 300 رأس نووي. مع كل أزمة، تتجدد المخاوف من أن ينفلت الوضع فجأة ليأخذ بعداً كارثياً.

تصعيد أبريل .. بداية الشرارة

بدأ التصعيد الأخير بهجوم دموي وقع في 22 أبريل 2023 في كشمير الهندية ، أودى بحياة 26 شخصاً، نسبته نيودلهي إلى جماعة «جيش محمد» التي تتهمها بأنها مدعومة من المخابرات الباكستانية. لكن رد الهند لم يقتصر على عمليات عسكرية عبر خط السيطرة ، بل شمل فرض عقوبات اقتصادية ، وتعليق اتفاق تقاسم مياه نهر السند ، وإغلاق الحدود، وطرد الدبلوماسيين الباكستانيين

عسكرياً ، سجّل المشهد تصعيداً تقنياً أيضاً بإسقاط الدفاعات الباكستانية طائرة مسيرة هندية ، ما يكشف انتقال المواجهة إلى مستوى حرب استنزاف تكنولوجي.

البعد النووي .. سقف الرعب

ما يجعل هذه الأزمة أكثر حساسية هو الطبيعة النووية للصراع. كلا البلدين يمتلكان صواريخ متقدمة (مثل براهموس الهندية وناسر – الباكستانية) مما يعني أن أي خطأ في الحسابات العسكرية قد يطلق سلسلة ضربات نووية محدودة أو حتى واسعة ، بعواقب لن تقتصر على شبه القارة، بل ستمتد إلى الأمن العالمي برمته.

الجيوسياسة المعقدة

الصورة تزداد تعقيداً بالنظر إلى خريطة التحالفات : الصين تقف بوضوح خلف باكستان ، خصوصاً بسبب مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) ، بينما تستند الهند إلى شراكة استراتيجية متنامية مع الولايات المتحدة ، التي تجد نفسها في موقع حساس : دعم الهند ضد الصين، وفي الوقت نفسه محاولة ضبط التوتر النووي. أما روسيا ، المنهكة بحربها في أوكرانيا، فتلعب دوراً هامشياً رغم محاولات الوساطة.

الاقتصاد .. الرئة الهشة

اقتصادياً ، تبدو باكستان الطرف الأكثر هشاشة ، مع انهيار البورصة بنحو 3000 نقطة وتراجع الروبية بشكل حاد، فيما يتمتع الاقتصاد الهندي بمرونة نسبية بفضل حجمه وتنوعه. مع ذلك ، فإن استمرار التوتر سيضرب بيئة الاستثمار الإقليمي ، وسينعكس على الشرق الأوسط، حيث تهدد أي أزمة بحرية في بحر العرب بتعطيل حركة الملاحة ورفع أسعار النفط، وهو ما سيؤثر مباشرة على بلدان مثل مصر المستوردة للطاقة.

ثلاثة سيناريوهات مفتوحة

التحليل الاستراتيجي يضع أمامنا ثلاث مسارات محتملة :

1. التهدئة المؤقتة : عبر ضغوط دولية تقودها واشنطن
وبكين ، تعيد الأطراف إلى حالة «اللا حرب» المعهودة.

2. التصعيد المحدود : استمرار الاشتباكات والمواجهات دون الوصول لحرب شاملة ، لكن مع بقاء احتمالية الانفجار قائمة.

3. السيناريو الكارثي: تصعيد غير محسوب ينشأ عن خطأ استخباراتي أو عملية عسكرية تتطور إلى مواجهة نووية
محدودة ، ما قد يتسبب في واحدة من أسوأ الكوارث الجيوسياسية في العصر الحديث.

الدروس المستخلصة .. والمخاطر المقبلة

هذه الأزمة تؤكد هشاشة الردع النووي في عالم متعدد الأقطاب، حيث لا تكفي الترسانات الضخمة لضبط النزاعات. المطلوب اليوم تدخل دولي عاجل لتجميد التصعيد ، إلى جانب دور إقليمي أكثر وعياً من دول الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بحماية مصالحها الحيوية في أسواق الطاقة والممرات المائية.

وفي ظل ديناميكيات متحركة ومعقدة ، يبدو أن العالم مطالب بمتابعة الأزمة لحظة بلحظة ، لأن قراراً خاطئاً أو صاروخاً طائشاً قد لا يغير فقط مصير كشمير .. بل مصير النظام العالمي بأسره.

على العالم أن يصحو قبل فوات الأوان

ما يجري اليوم بين الهند وباكستان ليس مجرد نزاع حدودي أو جولة جديدة من المناوشات المعتادة في كشمير؛ إنه اختبار صارخ لمدى قدرة البشرية على تجنب الانتحار الجماعي في عصر الأسلحة النووية. الرهان لم يعد فقط على صبر الزعماء أو براعة الوسطاء، بل على وعي المجتمع الدولي بأن تجاهل الشرارات الصغيرة قد يؤدي إلى حريق شامل لن ينجو منه أحد.

في لحظة باتت فيها الحروب تشتعل بالخطأ أكثر مما تُشعل بالنية يبدو أن العالم مدعو – بل مُجبر – على التحرّك السريع، قبل أن تنفجر الأزمة وتتحول إلى مأساة عابرة للحدود والقارات.

السؤال الملح : هل نتعلم من دروس التاريخ أم نعيد كتابته بحبر نووي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!