مقالات

ماذا لو استغنت مصر عن صندوق النقد الدولي؟

✍️ يوحنا عزمي 

لطالما ارتبط اسم مصر ، كغيرها من الدول النامية ، بصندوق النقد الدولي كأداة إنقاذ اقتصادي عند اشتداد الأزمات. لكن ماذا لو قررت القاهرة أخيراً الاستغناء عنه؟ 

ليس رفضاً للمساعدات أو التعاون ، بل إعلاناً باستقلال القرار الاقتصادي ، والانطلاق نحو سيادة مالية خالصة. هل تمتلك مصر المقومات لتحقيق ذلك؟ وما هي تداعيات هذه الخطوة؟

أولاً : ماذا يعني الاستغناء عن صندوق النقد؟

الانسحاب من مظلة صندوق النقد لا يعني القطيعة مع المؤسسات الدولية، بل هو إعلان ناضج بأن الاقتصاد الوطني قادر على توليد الثقة داخلياً وخارجياً دون الحاجة إلى “شهادة حسن سلوك” تمثلها برامج الصندوق. وهذا يتطلب إدارة محكمة لعجز الموازنة ، وميزان مدفوعات إيجابي ، واحتياطي نقدي قوي ، إلى جانب بيئة استثمارية مرنة ومؤسسات مستقلة.

ثانياً : ما الذي تملكه مصر من أدوات تجعل هذا القرار ممكناً ؟

1. إقتصاد متنوع وقاعدة إنتاجية في طور التوسع

تمتلك مصر بنية تحتية عملاقة تم إنجازها خلال العقد الأخير : شبكة طرق وكهرباء وموانئ حديثة، إلى جانب مشروعات صناعية وزراعية كبرى كمحور قناة السويس والدلتا الجديدة. هذه المشاريع تمهد لتحول مصر إلى مركز إقليمي للتصنيع والخدمات اللوجستية.

2. احتياطي نقدي واعد وتحسن في الصادرات

رغم التحديات ، شهدت السنوات الأخيرة تحسناً في احتياطي النقد الأجنبي بفضل التحويلات ، والسياحة ، وإيرادات قناة السويس، وصادرات الغاز الطبيعي ، خاصة بعد الاكتشافات الضخمة في شرق المتوسط.

3. شراكات مالية خارج منظومة الصندوق

بدأت مصر تنوّع مصادر تمويلها بالاعتماد على شراكات ثنائية مع الخليج والصين وروسيا ، إلى جانب استخدام أدوات مالية بديلة كالصكوك السيادية والسندات الخضراء.

4. إرادة سياسية معلنة وخطة اقتصادية حتى 2030

التصريحات الرسمية تشير إلى رغبة في التحرر من برامج الصندوق تدريجيًا. وقد بدأت الحكومة بالفعل في إعداد موازنة ثلاثية وخطة نمو ذاتية دون تدخل خارجي مباشر.

ثالثاً : الفوائد المتوقعة من هذا القرار

استعادة القرار السيادي الاقتصادي دون إملاءات خارجية أو اشتراطات على سعر الصرف والدعم.

تخفيف الضغط الاجتماعي الناتج عن إجراءات التقشف التي يفرضها الصندوق عادة.

تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني كمؤشر على النضج والاستقرار، مما قد يجذب استثمارات طويلة الأجل.

بناء نموذج تنموي مستقل على غرار تجارب تركيا وماليزيا في مراحل معينة من تاريخهما.

رابعاً : المخاطر والتحديات المحتملة

غياب شبكة الأمان في حالات الأزمات الطارئة ، خاصة إذا واجهت مصر صدمة خارجية (مثل أزمة مالية عالمية).

ارتفاع تكلفة الاقتراض من الأسواق الدولية دون دعم أو تصنيف ائتماني محسن من قبل الصندوق.

ضغط على الجنيه المصري في حال لم يُعزز الإنتاج والتصدير بشكل كافٍ لسد فجوة العملة الأجنبية.

خامساً : السيناريو الواقعي – لا استغناء جذري بل استقلال تدريجي

من غير المرجح أن يحدث “قطع مفاجئ” مع صندوق النقد. 

لكن الأرجح أن تسير مصر نحو تخفيف الاعتماد تدريجياً ، بحيث يتحول الصندوق إلى جهة استشارية لا تدخلية ، وتصبح القروض خياراً لا ضرورة. هذا التدرج هو ما يحفظ التوازن ويجنب الاقتصاد أي صدمة مفاجئة.

إن الاستغناء عن صندوق النقد ليس مغامرة ، بل هدف مشروط بنضج داخلي واقتصاد منتج وشفاف. ومصر اليوم ، رغم الأعباء تمتلك المقومات والعزيمة والرؤية التي تؤهلها لتقول “شكراً لكم سنكمل الطريق وحدنا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!