✍️ يوحنا عزمي
رغم الأحاديث المتكررة عن مفاوضات دبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران ، ورغم الأجواء التي تحاول سلطنة عُمان توفيرها كوسيط محايد ، فإنني على قناعة راسخة بأن ما يجري لا يمت بصلة إلى رغبة أميركية حقيقية في التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
بل هو في جوهره خداع تكتيكي ، يهدف إلى تشويش الرؤية الإستراتيجية لدى القيادة الإيرانية ، وإرباك قراراتها ، ودفعها إلى حالة من اللايقين في لحظة بالغة الخطورة.
فما بين التهديد بالحرب من جهة ، والإيحاء بإمكانية السلام المشروط من جهة أخرى ، تمارس واشنطن لعبة نفسية مزدوجة، عنوانها الأساسي هو “الضغط لأقصى حد دون إطلاق رصاصة واحدة”. لعبة هدفها تآكل القرار الإيراني من الداخل ، واستنزاف القيادة في نقاشات عقيمة بين التصعيد والتهدئة ، بينما تستمر العقوبات الاقتصادية في نخر البنية الداخلية الإيرانية على كافة المستويات.
هذه الأجواء الملبدة لا تُربك فقط قرارات الدولة الإيرانية ، بل تهدد بتصدع داخلي داخل مؤسسات صنع القرار نفسها. فثمة من يرى في الانفتاح حلاً لتفادي الانهيار، وثمة من يرى في المواجهة خلاصًا من الابتزاز الغربي. وما بين هذين التيارين ، يتسع الشرخ وقد يتحول إلى كسر حقيقي داخل بنية الحكم الإيراني ، مهما حاولت طهران التعتيم عليه.
من جهة أخرى ، لا يبدو أن الأميركيين ، ولا حلفاءهم في تل أبيب مستعدون لقبول أقل من الحد الأقصى من التنازلات. والهدف واضح : تفكيك البرنامج النووي الإيراني ، وتعطيل تطوره ، وفرض رقابة صارمة تشمل كل تفصيلة في المنشآت النووية ، بما يضمن للغرب تفوقًا استخباراتياً دائمًا يمنع أي مفاجأة من الجانب الإيراني.
وإذا رفضت إيران الخضوع لهذه الشروط ، فإن البديل ، كما أراه، جاهز على طاولة القرار : ضربة عسكرية إسرائيلية قاسية، بتنسيق مباشر مع واشنطن، وبمشاركة محتملة من بعض حلفائها، تنفذ وفق سيناريو تم الإعداد له مسبقًا وينتظر لحظة التنفيذ.
لذلك ، فإن كل ما يجري في مسقط أو روما لا يعدو كونه مسرحية سياسية هدفها كسب الوقت ، وتشتيت الانتباه ، وإنهاك الطرف الإيراني حتى يصل إلى نقطة اللاقرار. هي مفاوضات تُستخدم كسلاح بارد ، أكثر فتكًا من الرصاص ، وأشد إيلاماً من الحرب المباشرة.
وفي النهاية ، من لم يدرك أن واشنطن تكتب فصول هذه اللعبة بحبر الغموض والتضليل ، سيجد نفسه ضحية لسيناريو كان واضحاً منذ البداية.