ابداعات

السقوط المضحك

أحمد المقدم 

كثيرا ما نقف عند بعض المواد الفيلمية ذات المحتوى المضحك والتي تعرض بعض الأشخاص الذين يتعرضون لمواقف محرجة مثل التعثر فجأة أو السقوط في بركة الماء بينما يحاول أحدهم أن يتجنب السقوط أو أن يرتطم رأس أحدهم في الجدار وغير ذلك من المواقف التى نجدها مصدرا للضحك. وقد يمتد الأمر للحياة الواقعية فقد تجد أما تضحك على طفلها الذي لازال يتعلم المشي ثم يسقط مرة واحدة (أجد في الأمر بعض المتعة أن أتعثر عمدا كي تضحك أمي)، ولكن الغريب في الأمر أن مثل تلك المواقف تكون مصدر إحراج للشخص المعنى بها ومصدرا للضحك والتندر لمن يشاهدونه. وقد استوقفنى هذا الأمر كثيرا عندما وجدت في إحدى الفيديوهات بعنوان Funniest Fails ومنها أطفال يسقطون والأمهات يضحكن عليهن وأنا كمشاهد أضحك كذلك حتى تبادر إلى ذهنى ذلك السؤال” ما هو البعد السيكولوجي لمثل ذلك؟ ” ما الذي يجعلنى أطلق تلك الضحكات الهيستيرية على أناس لا أعرفهم بل إنى مع تلك الضحكات أشفق عليهم كذلك. حتى أخذنى عقلي إلى محركات البحث علنى أجد إجابة لذلك السؤال الذي لم يتبادر إلى أذهان الكثير ممن يشاهدون أو حتى يتعرضون لمثل هذه المواقف في حياتهم اليومية. تُرى ما التفسير النفسي لمثل هذا الشعور الذي قد يبدو للوهلة الأولى أنه أمر سخيف ممن ينفجر ضاحكا على شخص يتعرض لمواقف يبقى فيها تعيس الحظ.  

يعزى ذلك في المقام الأول إلى التناقض بين ما هو ليس متوقع حدوثه وبين المنطقي. فالمنطقي هو أن يكمل أحدهم السير متخطيا حجر العثرة الذي لا تراه عيناه أثناء سيره. أو أن يقفز العداء الحواجز بسرعته القصوى لا أن تصطدم قدمه بأحد هذه الحواجز كي يطير في الهواء ويتساقط على الأرض مثل الجوال. فما نظنه يتغير لحظيا عندما يحدث الغير المتوقع.  

حسنا، هذا يأخذنا أيضا إلى مشاعر مختلطة تجاه تلك الضحية المضحكة. إن ذلك الضحك يأتى من اختلاط مشاعر التعاطف مع الضحية و كذلك من خلال مشاعر الارتياح لحقيقة أننا لسنا متورطين في مثل ذلك الموقف بل إننا فقط مشاهدون لما يحدث. و تزداد وتيرة الضحك عندما تقترب الصورة على وجه الضحية في مشهد يعاد عرضه بالحركة البطيئة.  

لم يعد الأمر محيرا لماذا نطلق تلك الضحكات الهيستيرية بينما كان من الممكن الاكتفاء فقط بابتسامة ارتياح أننا لسنا متورطين في ذلك الموقف المحرج. نعم، إنها ما اصطلحه الألمان تحت مسمى shadenfreude (شادنفرويد) أو الشماتة فى وقوع أحدهم في موقف يوصف على أنه سوء حظ، إنه إحساس فطري يتملك الشخص ويصيبه بضحك هيستيري عندما يعرف أن الشخص المتورط ليس هناك خطر على حياته. فتنضم الشادنفرويد إلى مشاعر الارتياح والشفقة والناتج (قهقهة ورأس أحدهم في الأسفل وقدماه في الأعلى والمزيد من الضحك عندما تأتى مثل تلك المواقف متتالية في إحدى المواد الفيلمية على مواقع التواصل الاجتماعي). حسنا، ربما علي الاعتذار في صمت لهؤلاء الذين لا يعلمون أن ثمة شخص يطلق ضحكات سخيفة شامتة دون أن يعرف كنههم أصلا! يا لهذه الشادنفرويد التى تجعل الإنسان كائن شامت كجزء من فطرته المحيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!