ابداعات

“وشمٌ من لهب”

 

الْمهنّد إسلام 

 

كنتُ مشغولةً بلعبِ دورِ البطلة المنقذة، إلا أنني كنتُ أنا الجاني.

لم أدرك أن بطولتي قد تأتي على حساب الأرواح التي أحبّتني بصدق.

أحرقتُ البيتَ رغبةً في الحرية، إلا أن ذكراهم تطاردني كل ليلة.

تتسلّلُ إليّ في الظلام… حتى أستيقظَ صارخة، ككلّ ليلةٍ منذ فقدتهم… منذُ قتلتهم.

صببتُ تركيزي على حرق الظالمين، إلا أنني حرقتُ الأبرياء معهم.

 

خرجتُ بين النيران بفرحةٍ عارمةٍ بالحرية، حتى سمعتُ صوتَ الصمت…

صوتُ هواءٍ مشبعٍ بالدخان، كأنّ البيتَ يئنّ على من بقي فيه؛ كثيفٌ كالشجرِ المرصوص، تتراقص فيه ألسنةُ اللهب ككائناتٍ غاضبةٍ، منتقمة.

كان أعلى صوتٍ سمعته في حياتي.

كيف لي أن أنساهم؟

أسماؤهم محفورة في آثار الحريق على جسدي، وكأنها وشمٌ من لهب.

كيف لي أن أكونَ بتلك الأنانية؟!

أن أنشغلَ بتحريري، ساهيةً عن أرواحهم البريئة!

 

تلك الأرواح التي تطاردني ذكراهم حتى الآن…

ما زلتُ أسمع صوتَ نباحهم كلما جئتُ إلى ذاك البيت الصيفي،

أراهم يركضون خلفَ بعضهم البعض كلما مررتُ بذاك الشاطئ،

أرى جدّي يداعبهم كلما مررتُ من تلك الحديقة،

أرى أمي تلامسهم كلما مررتُ بتلك الأريكة،

والأسوأ… أسمعُ صوتَ صمتهم كلما مررتُ من تلك الغرفة.

 

كلّ يومٍ يذكّرني أنني كنتُ سببًا في غياب براءةِ البيت.

كنتُ ضحية، والآن اكتملت العائلة بالظالمين.

 

أحيانًا أتساءل: إن عادوا إلى الحياة،

هل سيغفرون لي؟

أم ينقضّون عليّ؟

أم يفعلون ما هو أسوأ، وما يأتي في رؤياي؛ ينظرون في عينيّ؟

كيف أكفّر عن تلك الخطيئة؟

كيف للبشر أن يصبحوا بهذه الوحشية والأنانية؟!

كيف لي… أن أصبح بهذه الوحشية، والأنانية؟

كيف لرغبةِ التخلّص من القيود أن تفعل كل هذا؟!

 

كانا نائمَين في براءة، واثقَين بي، ويشعران بالأمان في وجودي.

بتُّ أخشى الاقتراب من أي نيران: شعلة، شمعة.

أنا سببُ تحطيمِ حصنِ الأمان داخلي… هذا، وإن كان هناك حصنٌ من الأساس.

 

كنتُ مراهقةً خرقاء، وتعلّمتُ درسي.

أتمنى أن تسامحوني… أو تعذّبوني.

في كلتا الحالتين، أنا أتعذّب كلّ يومٍ برؤيةِ أرواحكم.

واعلموا أنّه، إن عاد بي الزمن…

لأنقذتكم، وتركتُ نفسي لأحترق.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!