زينب عبد الحفيظ
صديقة أنا للزهد،
متكدس بجسدي كالدّماء المتجلّطة.
أشرُد، وأُبحر بمقلتي نحو الأفق،
أخلقُ الهواجس، وأبني أحلامًا بوجهٍ ممتلئ بالسخرية على ما آلَ إليه الحال.
وكأنّي أتأرجح على أنقاض الدنيا،
أكادُ ألمس الجنون،
أشفقُ على عقلي، الذي يرفض، باحتجاجٍ صارم، وقوعَ الواقع وتهشّم الآمال.
أمنياتُ الطفولة تصرخ بفزع،
ألتقط نحيبها بدهاليز روحي،
فيقع قلبي بخوف، متسائلًا: “ماذا الآن؟”
لا تُلقِ عليّ صواعق الأسئلة، فالحالُ مرير، كمرارةِ نبتة الحنظل.
أزدردُ لعابي بعُسرة، محاولًا تقبّل الأيام،
الأيامُ تضحك منّي،
أمرّرها بتقاعس، وأزُجّ بها دون اكتراث.
كيف أزهدُ بأيامي القليلة على هذه الأرض، رغم يقيني أنها لن تعود؟
وكيف أعود أنا إلى رشدِ سِنّي؟
ورغم لكزات القدر،
وجرحِ قدميَّ من شُذاذٍ متحطّمين يسقطون مني،
ما زلتُ أرفع أنفًا مغرورًا إلى الأعلى،
ونظراتُ عينيّ تزداد حدّة،
وكأنّ بكفي الدنيا…
وياللشفقة!
بُتِرت كفّي منذ سنوات،
بسيفٍ بتّارٍ غدّار،
يختم على مؤخرته بختم الأقدار.
أنا أنثى…
جلدُها لا يمتصّ الخنوع،
تراني شامخة، كشموخ سيّدات الأرض،
وتحكم عليّ… أنني حاكمةٌ للزهو.
وُلِدتُ، وشفتاي ملطّختان بالذهب،
لكنني كجعبة الحاوي… ممتلئةٌ بالأفاعي.
فوق عاتقي صخورٌ ثقال،
أتخبّط بين واقعٍ وأحلامٍ تستحيلُ يومًا بعد يوم.
أرى الحال يعتصر أنفاسي.
الدنيا امرأةٌ مخادعة،
كانت تتراقص أمامي بمكر،
وتُزيّن عينيّ بزهو الألوان،
وتسوقني نحو الكِبْرِ بتُؤدة،
دون أن تُنذرني من دخانها الزاحف خلفي.
وأنا… لم ألتفت أبدًا،
تغيّبتُ من جمالها الأخّاذ،
وركضتُ بتدافعٍ وتمنٍّ متعجّل إلى الشباب،
وها قد غدوتُ شابةً عجوزًا،
برأسي يخطّ شيبُ متخفّي،
لم يره أحد… سواي.
لكنني أيضًا بهيئةِ فتاةٍ في مقتبل العمر…
أيّ الترهتين أصدّق؟
أم أن الترهة كامنة هنا، في عقلي؟
أواكب الحياة بزهدٍ حقيقي،
ومهما تداعيت، فإني متيقّظة لما يؤول حولي.
يَرنّ صدى ضحكات للسخرية بجوفي ان حقاً؟ ،واغمم بخيبة ان كفى خداع،،
سأستريح… سأهدأ قليلًا.
سأجلس على “مصطبة العمر”،
وأراقبني جيّدًا.
أعلم أنّ حالي لن يروق لي،
ستغضب دِمائي، ستثور بهياج…
أتمنّى أن لا تفعل، وأخاف أن تفعل،
فتقذفني دون هوادةٍ في محض النيران،
بسخط.
هل ستتقبّل نفسي حقيقةَ صرفي الأيام ببذخٍ بلا فائدة؟
أم ستعطيني فرصةً أخرى
كي أقف بوجه السنوات،
وأرفع أمامها يدًا…
ممتلئةً بالإنجازات.