المهنّد إسلام
وبعدَ التقاطِ الصورةِ العائليةِ السنوية،
عادَ زوجي للنظرِ إليّ،
واعدًا بالمحاسبةِ حينَ يذهبُ ضيوفُه،
ممسكًا أعصابَهُ من أن يقذفَ سكينَه مصوّبًا ناحيةَ قلبي،
يعرفُ حقَّ المعرفة،
كيفَ يُمسكُ أعصابَه،
وكيفَ يفقدُها.
يعرفُ متى يبتسمُ في وجهِ ضيوفِه،
ومتى يزيلُ قناعَه،
يعرفُ متى يصبحُ لطيفًا مع النساء،
ومتى يُبغضُهُن،
يعرفُ متى يصيرُ شهمًا للغرباء،
ومتى يصبحُ نذلًا للأقرباء.
حتّى أنا،
أصبحتُ أُجيدُ التمثيل،
أصبحتُ أعرفُ متى أتصنّعُ الابتسام،
ومتى أعودُ إلى الفزع،
أصبحتُ أعرفُ متى أُخفضُ رأسي حينَ يتحدّث،
ومتى أرفعُها حينَ يذهب،
والأهمّ،
أصبحتُ أعرفُ متى أُخفي جراحي،
وآثارَ يدهِ على جلدي.
حتى بناتي اعتدنَ التمثيل،
جميعُ بناتي عداها،
صاحبةُ العين المتمردة في الصورة،
يكرهُ زوجي مدى ذكائها،
مدى جرأتِها وقوّتِها،
فهو مثلُ جميعِ رجالِ عصري،
حيثُ لا يُسمَحُ للمرأةِ أن تكونَ أقوى من الرجل،
أن يكونَ صوتُها أعلى من صوتِه،
وإن كان صوتُها على صواب،
لا يُسمَحُ للمرأةِ أن تكونَ ذكية،
وإن كانت ذكيةً فعليها تَصنُّعُ الجهل،
لا يُسمَحُ لها أن تتعلّم،
وإن تعلّمت فلن تعمل،
وإن عملت فلن تُقدَّر،
ستُنبذ،
ويُقالُ عنها: “مهملةٌ في بيتِها”،
وسيُلاحقُ العارُ زوجَها أينما ذهب.
يكرهُ زوجي ابنتي لأنها لا تُشبهُني،
لأنها لا تخاف،
لأنه إن عالَ صوته، أخفضته،
وإن رفعَ يدَه، أنزلتْها،
وإن نظرَ نظرةَ عداوة،
ردّتْ عليها بأخرى مُهدّدة،
لا تهابُ السلطة،
ولا تُجيدُ الانحناء.
يقولُ عنها: “وقحة، متعالية، لا تعرف حدودَها”،
لكنني أعرفُ أنها تعرفُها جيّدًا،
هي فقط لا تؤمنُ بحدودٍ لم تضعها عشيرتُها،
بل فُرِضَتْ عليهم.
كلّما أنظرُ إليها،
أرى ذاتي،
بلا شوائبَ أو خدوش،
بلا ضعفٍ أو جُبن،
ذاتي التي دومًا أردتُ أن أكون.