ملك كرم الهواري.
في ظلِّ وقوعِ العالم في هاويةِ الجهل بالرغم من انتشار العلم – المزعوم، تبدُّل المُسميات، تغيُّر القالب والقلب واحد، يجاهد الأعداء في انتزاعِ الدور الحقيقي للمرأةِ، أن يسلخها من دينها، هُويتها، وفطرتها؛ ليُسيِّرها كيفما شاء كدميةٍ تذهب وتجيء بضغطةِ زرٍ.
يحاولون طمس هُوية المرأة المُسلمة، دس سُمهم في ذهنها، يُرددون على مسامعها: هل دوركِ قائمٌ على الطهي والتنظيف؟ تفنين شبابكِ وعمركِ في الاهتمام بزوجٍ وأبناء وتنشئة لا داعي منها؛ فالعالم حتمًا سيُضيِّع ما قمتِ بزرعهِ هباءً ويذهب جفاءً كما لو لم يكن، سيهجركِ الزوج ويبحث عن مُتعتهِ، فالرجال لا يعرفون سوى ‹مثنى وثلاث ورباع›.
يخلبون ويُزينون الحرام، يُنادون بحُريةِ المرأة، نزع الحجاب؛ لأنه قيدٌ وصفدٌ يمنع الاستمتاع بالحياةِ، بالتحررِ من لباسِ التقوى فقد خُلقنا أحرارًا، يهتفون بعملِ المرأة لا للحاجةِ إليها في بعض الشؤون، بل لتكون ندًا للرجلِ لا غير.
يشغلون النساء بما لا ينفع، يُفرغون إبريقَ التفاهةِ والمفاهيم الخاطئة في رأسها؛ لئلَّا تنهض الأمم، وتهوى في غياهبٍ من الانحطاط والرذالة لا مفر منها.
دار حديثٌ بيني وبين صديقةٍ ما حول المرأة، وباغتتني بقولٍ أوجعني؛ لهذا الفكر العقيم: أحبُّ مظهري بنصفِ الحجاب كما تدعين، وكما أنني لستُ خادمة لزوجي وعائلته؛ كي أنظف وأُرتب فهذا ليس دوري.
وصفُ الخادمة في هذا المقامِ؛ إهانة للمرأة، وإخفاقٌ لتكريمِ اللّٰه لها ولفطرتها، وأصبح متداولًا بين الفتيات والسيدات كأنه لفظٌ طبيعي لا يشوبه الدنو، فالدين قد كرَّم المرأة وعلا بمكانتها وصانها، والآن النساء يهرعن إلى ما يُهينهن ويُقلل منهن بحُجَّةِ أنه التقدم.
لم يكن دور المرأة مقتصرًا على أعمال المنزلِ قط بيد أنَّه جزء لا يتجزأ من أنوثتها، فطرة اللّٰه في المرأة وإن حاربها العالم برمته، لم يكن الحجاب يومًا قيدًا يُحرم الحياة أو سمةً للرجعيةِ والجهل، والعري ليس بتفوقٍ وتقدمٍ على العالم.
المرأة بناء الأمم، أصلها الذي لا يبلى، جزرها المهيب الثابت، إن ضَعُف؛ ضَعُفَت الجذوعِ وانكسرت شوكة الأمة، هي تُربةٌ إن صَلُحَت؛ صَلُح الحصاد كُلّه، وإن فسدت؛ فسد كله.
وعي المرأة، تعليمها الجيد، ثقافتها، اعتزازها بهُويتها يُصقل تقدم الأمة ورفعة شأنها، عناية المرأة بزوجها وأبنائها لا يغدو هباءً، بل إنه امتثالٌ لأوامرِ اللّٰه، تنفيذٌ لدورها الهام في المجتمعِ، فالتنشئة الصالحة المُصلحة؛ تُخرج أجيالًا تأتي بالنصر وتعلو برايةِ العزِّ، أجيالٌ تصبُّ اليقين والجهاد في وعاءِ الجهل؛ لينقى وتغدو الأمة عظيمة الشأن وعالية الهمة.
وأخيرًا، الدين ليس بعائقٍ أمام المرأة، ليس بعقبةٍ في طريقِ حُريتها، بل يحفظها ويصونها، يقيها شر العالم، ويعلو بشأنها الرفيع، فالمرأة تاجٌ مرصعٌ بسطوةِ البناء والجهاد يزين أمتنا، نهرٌ رقراق يصب في الأفئدة ويروي ظمأى النعيم والعلم، جِزرٌ يُنشئ رجالًا تمتد فروعه عنان السماء.