مقالات

حرب تكسير العظام بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان

✍️ يوحنا عزمي 

يتم تهميش إهتمام العالم بما يحدث في غزة من حرب إبادة جماعية شاملة علي الفلسطينيين.

وفي سابقة جديدة لم تحدث من قبل ، ناشدت حماس الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريتش وبما يشبه الاستغاثة ، التدخل دون ابطاء ، لوقف الحرب الإسرائيلية علي غزة.

وهذه المناشدة أو الاستغاثة مؤشر علي ما وصلت إليه الأوضاع الكارثية المتدهورة في غزة من إبادة شاملة ومستمرة ، ومن تدمير همجي متواصل لكل معالم الحياة فيها ، ومن مخططات إسرائيلية شيطانية لن يعود بعدها شيئ واحد في الاراضي الفلسطينية المحتلة إلي سابق ما كان عليه قبل السابع من اكتوبر الماضي. 

والآن تحولت مقصلة الحرب الإسرائيلية إلي جنوب لبنان لتبيده وتدمره ولتحوله هو الآخر إلي أرض محروقة لا تصلح للحياة والأوضاع فيه تنذر بكوارث وأهوال لا اول لها ولا آخر .. وهذه هي نقطة البداية فيها .. اما عن نقطة النهاية ، فإنها تتسع لكل التكهنات والاحتمالات.

لم تحدث مثل هذه اللحظة الإسرائيلية في تاريخ العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينات من القرن الماضي اي التي جعلتها قادرة علي تحدي العالم كله وعدم الاكتراث به ، وهو ما لم يكن ليحدث أبدا عندما كان هناك في الماضي اقطاب دوليون كبار ، وتوازنات قوة دولية فعالة ومؤثرة ، وخطوط ودوائر حمراء وقواعد اشتباك متوافق عليها لاحتواء الصراعات والأزمات الدولية الساخنة ولخفض التوتر ومنع التصعيد .

وكانت هناك أمم متحدة ومجلس أمن دولي وقوات حفظ سلام تتحرك بسرعة إلي بؤر الصراع الدولي في كل مكان لفصل المتحاربين وفض الاشتباك ، وكانت هناك معايير للسلوك الدولي المسئول من قبل الأقطاب الكبار وان لم تكن كلها رسمية ومقننة ومعلنة، وكان الردع النووي المتبادل حقيقة وواقعا وليس مجرد شعار كما هو حاليا ، ولم تكن هناك ميليشيات مسلحة اكثرها طائفية ومسيسة تعمل خارج الدولة وتاخذ من الجيوش الوطنية للدول دورها لتصبح هي وحدها وليست الحكومات ، صاحبة القرارات النهائية في قضايا الحرب والسلام كما هو حاصل الآن في العديد من دول الشرق الأوسط والعربية منها بشكل خاص .

كان النظام الدولي حاضرا وقويا باجهزته ومؤسساته وتحركاته ولم يكن علي هذا القدر من الهشاشة والفوضي والتسيب وعدم الانضباط .. وحتي إسرائيل دولة الإرهاب العنصري الأول في العالم الآن كانت تعرف حدودها رغم طبيعتها العدوانية التي لم تفارقها منذ قيامها ..كان نظاما دوليا متماسكا ومنضبطا برغم كل ما فيه.

أين ذهب هذا كله حتي أصبحنا أمام أقطاب دوليين كبار خامدين وعاجزين وبعضهم لا يجدون من يلتفت إليهم ليعيرهم اهتماما او ليدخلهم في اعتباره بخلاف ما كان عليه حال الأقطاب الكبار خلال فترة الحرب الباردة القديمة ، وأمم متحدة عاطلة ومشلولة بل وعاجزة عن إنجاز الأهداف التي قامت من أجلها في عالم بات يخلو من الأمن والسلام والاستقرار ويشيع فيه العنف والفوضي والإرهاب والعدوان علي كل القيم والقوانين والشرائع والأعراف والاخلاقيات كما تفعل إسرائيل في غزة من انتهاكات وحشية لم يسبق لها مثيل وقوات حفظ سلام دولية تلاشت واختفت وأصبحت اثرا من الماضي البعيد بل آلية غير مرغوب فيها حتي من قبل الدول التي يفترسها العدوان لشكوكهم في دوافعها ونواياها ، وردع نووي متبادل لم يعد له مكان في القرارات التي تدار بها الحروب والصراعات والأزمات الدولية حتي في أخطر البؤر الساخنة في العالم.

أعود وأتساءل أين نحن الآن من كل ما يدور حولنا ويحدث في بلادنا العربية من كوارث ومصائب واهوال ، وإسرائيل تفتري وتقدم علي ما لم تجرؤ عليه في تاريخها حيث أصبحت كالغول المفترس الذي لا يجد من يقف في طريقه ليردعه او يمنعه او يضعه في حجمه ، ولا احسب أننا نبالغ عندما نقول ان ما يحدث في منطقتنا العربية المنكوبة من إبادة وتدمير وتشريد وهدم متواصل لكل مقومات الحياة الإنسانية الطبيعية فيها ، بات ينطوي علي كارثة أمنية وسياسية وإنسانية بلا حدود وبلا أفق زمني معروف فمن غزة إلي جنوب لبنان وبعدها علي نحو ما نتوقع إلي اليمن وسوريا والعراق .

ومن يدري إلي أين سوف ينتهي بنا المطاف علي يد هذا الطوفان الجارف من القوة الإسرائيلية الغاشمة التي تحلم بشرق أوسط جديد تكون إسرائيل هي القوة المهيمنة عليه والمتحكمة فيه.

كنا نتمني ان تكون هذه هي اللحظة العربية وليست اللحظة الإسرائيلية في التاريخ ، ولكن كيف وهذا هو حالنا كعرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!