ابداعات

سقوط جديد

بقلم: ندى يحيى

 

  في كثير من الأحيان كانت تجتاحني فوضاويتي، لينتهي بي الحال وأنا أسأل نفسي، هل سنصمد أكثر من ذلك،أم أن الهاوية تقترب؟ 

 

طالما كنت أشعر أني أختنق وسط هذه الفوضى والأصوات المتعالية في رأسي، طالما فقدت السيطرة مرارًا وتكرارًا على تحديد سبب هذه الأصوات بالرغم من أن ملامحي في هذه اللحظات كانت تبدو جامدة، متماسكة، وهادئة للغاية، هذا ما اعتدت فعله دائمًا أن أعيش داخل تلك الغرف المغلقة، بين أحاديث عقلي وقلبي وفوضاوية كلمات المحيطين بي، طالما اعتدت أن يظهر على ملامحي السلام كل السلام، حتى وإن كان الغليان يملئ أحشائي.

 

 أعتقد في كثير من الأحيان أنها مهارة اكتسبتها جيدًا من تلك المواقف، التي كان يلزم فيها أن أبكي وأن أصرخ بصوت عالي، ولكن لم أستطع وأجبرتني تلك المواقف على التماسك رغم كل تلك الهزيمة التي كانت تملؤني حينها. 

 

طالما تمنيت التعافي من تلك اللحظات ومن الجمود المزيف وأن تسنح لي الفرصة بالبكاء في أي وقت أريده دون أن يتبادلوا النظرات والأحاديث الجانبية من حولي. 

 

طالما أردت أن أبكي؛ لأخرج من غرفتي المغلقة التي كادت تخنقني في كل ليلة، هذا الظلام الكالح هناك يُشعرني بالريبة في صدق كل شيء حتى في صدق النجاة والنجوى. 

 

  أتذكر جيدًا حين قال لي أحدهم بوضوح،أشعرني بالبعثرة:

” توقفي عن حل مشاكلك بالغرف المغلقة تعلمي المواجهة؛ كي لا تنطفئِ”

ربما كان الأمر بالنسبة لي وكأن أحدهم قرر أن يكشف الستار عن كل ماحاولت إخفاؤه.

 

لا أنكر شعوري بالاقتحام من تلك الكلمات، أو ربما كان الأمر أشبه بالصفعة، ربما لأنها كانت الحقيقة التي حاولت إنكارها؛خوفًا من مواجهة ما لا أملك القدرة على تحمله.

 

علمت حينها أن ملامحي ماعادت قادرة تمامًا على أن تُخبئ ما أشعر به من فوضى، ينتابني شعورًا تامًا بأن الأمر أصبح يفوق قدرتي على التعافي.

 

 حاولت تعلم كل شيء حتى الجمود حاولت تعلمه، لربما كرهت حساسيتي وشعوري الدائم بأن العالم هو المكان الأسوء على الإطلاق، رغم محاولاتي طوال الوقت في أن أُحب ما أعمل، وما أعيش، وأن اتصالح مع خيباتي، وأن أكون صديقة صالحة، وزميلة عمل تملؤها الرحابة والمرونة؛ لتقبل النقد والشكوى، وتبادل الآراء وإصلاح الأخطاء طوال الوقت.

 

 حاولت أن أعتاد ذلك، ولكن في كل مرة كنت أعود للانكماش بداخلي أفقد قدرتي على الاجتماعية وأشعر بشكل مروع، في رغبة عارمة بالهروب من كل ذلك. 

 

في كل ليلة كان يراودني سؤال واحد، إلى متى سنظل نركض وسط تلك الفوضى؟ أيعقل أن نفقد ضوء قلوبنا حتى قبل الوصول لخط النهاية؟ 

 

طالما كنت أخشى تخيل النهاية هذه النهاية المعتمة، المليئة بالبعثرة، لأدرك حينها أن أصعب ماقد يمر به المرء هو أن يفقد قدرته على الإيمان بنفسه، أدرك جيدًا معنى أن تشعر بأنك على الهاوية مستهلك، وحيد وتائه رغم وجود الجميع، أدرك جيدًا معنى أن تشعر بعدم الانتماء لكل مايحيط بك إلى أن تسقط في النهاية دون نهوض جديد. 

 

ولكن من المثير للشفقة والامتنان في آن واحد، أننا مازلنا نحاول رغم ذلك، وكأننا فُطرنا على الركض نحو كل شئ،نحو الحب والألم والصداقة والطموح، وكل مايرغب الإنسان في أن ينعم به في هذه الدنيا ولكن كل ما أرجوه دائمًا،بأن لا يكون المصير في النهاية هو الركض نحو الهاوية دون فرصة أخرى للرجوع.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!