ابداعات

فنجان

آية عبده أحمد

ها هي حبات البن اللواتي أصبحن سحنتهن سمراء، تُقلِّبُهُنّ الظروف في مقلاة الحياة، ثم تبدأ في طحنهن؛ تدّعي أنها تعلّمهن القوة، حتى تأتي اللحظة التي تلقي بهنّ في بركان من الماء الساخن، وتحدث ثورة ينتصرن فيها دومًا، هكذا يتم تحويل أرض المعركة إلى “قهوة”.

حتى أنها اشتهرت فأصبحت تشهد المجالس في كل مكان، بل هناك أماكن مخصصة لتحضيرها، لقد ذاع صيتها جميع أرجاء العالم، ما بين بلدان أعجمية وعربية، في جوف الليل أو عند الصباح، وأحيانًا عند الظهيرة، هي تتلاءم مع الأوقات تلقائيًا.

حين يجتمع الرفاق لمشاركة همومهم، أو حتى أفراحهم، فهي الراعي الرسمي لجلساتهم، خاصة إذا احتاج الموضوع لتفكير عميق، قبل البدء يتم تحضير القهوة، لقد شاركت الكثيرين في السهر؛ للدراسة أو العمل، حتى العُشّاق الحيارى دون خمر تشاركهم محنتهم.

أما الكُتّاب تحديدًا، لقد قيل في اعترافٍ لها إن بينهم علاقة وطيدة، شيء ما يجمع بين الحروف وحب السُّمراوات ألا وهنّ حبات البن، ما إن يوضع فنجان القهوة حتى تجد الإلهام يخطفك من الواقع ويأخذك أسيرًا للكتابة.

ليس هذا وفقط بل شاركت في الفن أيضًا، أصبحت هناك لوحات تُرسَم بالقهوة؛ وهي مميزة للغاية، لا تعلم أهو بسبب تميّزها، أم جمالها وسحرها!
أتعي ماهية أن تتحوّل حبّات قاسية، لمسحوق ناعم، ثم لمشروبٍ يتنافس فيه الثلج والنار، كلاهما يدّعي أنه أفضل معهما.

من المزارع إلى المطاحن، ثم إلى اللوحات أو جلسات الشباب والكبار، رحلة لا يعرف سرّ مغامراتها سوى حبّات البن، تختزل حلاوتها ومرارة رحلتها الشاقة في فنجان قهوة، سرقني من شرودي صديقتي وهي تقول لي:
خذي فنجان القهوة قبل أن تبرد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!