✍️ يوحنا عزمي
حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية القديمة ، وهو ما دفع الدولة إلى إعداد مشروع قانون جديد ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر. هذا القانون جاء في شقين أساسيين : زيادة سنوية تدريجية على الإيجار تنفيذًا لحكم المحكمة، وإلزام المستأجر بإخلاء الوحدة المؤجرة خلال خمس سنوات ، وهو ما أثار جدلاً واسعاً.
ما يدعو للتوقف هنا أن الدولة لم تكتفِ بوضع آلية زيادة الإيجار بل تجاوزت ذلك إلى فرض الإخلاء الإجباري خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً ، متجاهلة إلى حد كبير اعتبارات العدالة الإجتماعية ، وحكم المحكمة الأسبق الذي قضى بامتداد العقد لمرة واحدة إلى الابن المقيم.
التعديل الحالي حدد مبلغًا مقطوعاً يدفع شهرياً فور إقرار القانون ليُتخذ أساسًا للزيادة السنوية، لكنه أغفل إجراء دراسة شاملة تأخذ في الإعتبار الموقع الجغرافي والقيمة السوقية الحقيقية للمناطق المختلفة. مثل هذا الإغفال قد يعرض القانون لشبهات عدم الدستورية من جديد ، وهو السيناريو الذي شهدناه مع قوانين مستعجلة مثل قانون التصالح.
الحل العادل .. رؤية متوازنة
كان الأجدر بالدولة ، في هذه المرحلة، الاكتفاء بتعديل تشريعي محدود يحدد حدًا أدنى للقيمة الإيجارية حسب المناطق عبر لجان متخصصة من وزارة الإسكان، مع وضع نسب زيادة سنوية معقولة يلتزم بها الطرفان. ولضمان العدالة، تُشكل لجان طعن مستقلة لمعالجة الاعتراضات وحالات الظلم الفردية.
لكن مشروع القانون الحالي أدخل الدولة في مأزق أكبر بإلزام المستأجرين، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 20 مليون نسمة، بإخلاء خمس ملايين وحدة خلال خمس سنوات، دون تفرقة واضحة بين الشقق السكنية والمحال التجارية أو الوحدات المؤجرة للشركات.
مقترح عملي : التدرج بدل الصدمة
إذا كانت الدولة مصممة على إخلاء الوحدات المؤجرة وإرضاء الملاك ، فعليها أولاً تنفيذ دراسة دقيقة لحصر نوعية الأماكن وأعدادها بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
بالتوازي ، يجب فتح باب التقديم للمستأجرين للحصول على وحدات سكنية بديلة ، مع منح مهلة ثلاث سنوات لإتمام إجراءات التقديم والبحث والتخصيص.
وعند تسليم المستأجر للشقة البديلة من وزارة الإسكان ، يتم الإخلاء الفوري للوحدة القديمة لصالح المالك ، على أن يُلزم المالك بدفع مقدم حجز الوحدة الجديدة بأسم المستأجر ، ويتولى المستأجر سداد الأقساط الشهرية المقررة.
أما من لا يرغب في الانتقال ، فيُجرى له حصر خاص ، ويُعاد تقييم وضعه ، وعلى ضوء ذلك يُبنى تعديل تشريعي جديد قائم على بيانات دقيقة ، يُراعي جميع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وقد يُحدد حينها أجل للإخلاء القسري إذا اقتضت الضرورة.
القوانين العاجلة كثيراً ما تخلف مشاكل أعقد من تلك التي جاءت لحلها. المطلوب اليوم هو أن تتحرك الدولة بعقلانية ، بخطط مدروسة وبيانات واضحة ، تضمن حقوق المالك وتُراعي أوضاع المستأجر ، بعيدًا عن التسرع الذي قد يُدخلنا في متاهات قانونية واجتماعية جديدة. العدالة لا تتحقق بالشعارات ، بل بالتوازن الحكيم بين أطراف النزاع.