مقالات

الهزات التمهيدية .. صفارات الإنذار التي لا يسمعها أحد

✍️ يوحنا عزمي 

في وقت تتكرر فيه الزلازل بوتيرة لافتة على خريطة العالم وتحديداً في مناطق مثل تركيا ، سوريا ، إيران ، والبحر المتوسط تبرز أسئلة ملحة : هل نحن نعيش مقدمة لزلزال كارثي؟ 

وهل هذه الهزات مجرد ارتعاشات طبيعية ، أم إنذار جيولوجي لما هو أعظم؟

ما هي الهزات التمهيدية؟

الهزات التمهيدية .. هي زلازل صغيرة إلى متوسطة تقع قبل الزلزال الرئيسي في نفس المنطقة الجيولوجية. في بعض الأحيان تمر هذه الهزات مرور الكرام ، لا تثير ذعراً ولا تلفت انتباهاً ، لكنها في الواقع قد تكون نُذُر كارثة قادمة.

علمياً ، لا يُمكن تأكيد أن زلزالًا ما هو “هزة تمهيدية” إلا بعد وقوع الزلزال الرئيسي. هذه المفارقة تجعل التنبؤ صعباً ، ولكن ليس مستحيلًا.

لماذا تحدث الهزات التمهيدية؟

ترتبط بالضغوط التكتونية الهائلة بين الصفائح الأرضية ، حيث تبدأ الصخور بالتحرك تدريجياً قبل أن تصل إلى نقطة الانهيار الكامل. تشبه الحالة إلى حد بعيد توتراً في شق جليدي قبل انكساره المفاجئ.

تحدث هذه الهزات عندما تبدأ الصفيحة في الانزلاق جزئياً ، لكنها لا تجد مخرجاً كاملًا للطاقة المختزنة ، فتأتي الهزات التالية أكثر قوة إلى أن يُطلق الزلزال الكبير هذه الطاقة دفعة واحدة.

متى يحدث الزلزال الكبير بعد الهزات التمهيدية؟

للأسف ، لا يوجد “رقم سحري” لعدد الهزات أو مدة محددة بين الهزة التمهيدية والزلزال الكبير ، لكن الإحصائيات تشير إلى الآتي:

في المتوسط : تحدث الزلازل الكبرى بعد عدة أيام إلى أسابيع من الهزات التمهيدية.

في بعض الحالات : استمرت الهزات التمهيدية أشهراً ، كما حدث في زلزال “توهوكو” المدمر في اليابان عام 2011.

عدد الهزات : بعض الزلازل الكبرى سُبقت بـ 2 أو 3 هزات تمهيدية قوية ، بينما في حالات أخرى كانت هناك أكثر من 10 هزات على مدار أيام.

ماذا بعد الهزات التمهيدية؟

إذا لم تُتخذ الاحتياطات ، فالهزات التمهيدية تتحول إلى كارثة مزدوجة :

1. الناس تهمل الإنذار وتعتبرها مجرد “رجات خفيفة معتادة”.

2. البنية التحتية تضعف تدريجياً ، ما يجعل الزلزال الكبير أكثر تدميراً.

3. الخدمات الحيوية (كالكهرباء والماء والاتصالات) تتأثر من التكرار المتسارع للهزات ، وتنهار عند وقوع الحدث الرئيسي.

 هل نحن أمام زلزال كبير؟

وفقاً للنشاط الزلزالي في تركيا والمنطقة المحيطة خلال الأشهر الماضية ، فإن هناك تصاعدًا مقلقاً في عدد الزلازل التي تتجاوز 4.5 درجات على مقياس ريختر.

إذا استمرت هذه الوتيرة ، فإن احتمال وقوع زلزال كبير خلال الـ 6 إلى 18 شهرًا المقبلة في إحدى مناطق الصدع النشط (كصدع شمال الأناضول أو شرق المتوسط) مرجح بنسبة علمية معتبرة.

 هل يمكن التنبؤ بموعد الزلزال الكبير بدقة؟

العلم حتى الآن لا يملك أدوات دقيقة للتنبؤ بالوقت والمكان بشكل مؤكد ، لكن :

يمكن تتبع تغيرات في النشاط الزلزالي.

مراقبة تحركات غير طبيعية في الأرض أو انبعاثات غازية أو تغير في المياه الجوفية قد تساعد في فهم مدى اقتراب الزلزال.

بعض الأقمار الصناعية بدأت برصد تغيرات حرارية أو كهرومغناطيسية تسبق الزلازل.

الرسالة الأهم : لا تتجاهل الهزات الصغيرة

ما يبدو “غير مهم” على السطح ، قد يكون تحته انفجار صامت في قلب الأرض، ينتظر لحظة واحدة فقط ليطلق نفسه على هيئة زلزال لا يُنسى.

الوعي ، الاستعداد ، وتحديثات دائمة من هيئات الرصد الزلزالي قد تُحدث الفارق بين الخسارة والفهم ، بين الندم والنجاة.

في عالم تتحرك فيه القارات ببطء شديد ، تبقى الهزات التمهيدية صوت الأرض الخافت الذي علينا أن نُصغي له ، لا أن نُسكته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!