ابداعات

“بين رفوف الكتب “

 

لجين سامح 

 

 

المشهد الأول: 

“شكسبير والأرض الضائعة.”

 

تاهت ملامحي، غرقت في يأسي، وجبت أبحث عنها هائمة على وجهي في الطرق

لم أكن أعرف من أنا،

ولِم أنا هنا، ولم أصبح كل شيء مسلوبًا من المعنى.

 

حتى عرقل حجر قدمي، التفتت، لأجدني أمام مكتبة، لم يكن هناك أحد.. وهذا ما أغوى القطة الانطوائية مني في الدخول

 

الصمت يعم المكان، لكن الرفوف.. كانت تثرثر! 

كان لها صوت، ورائحة، وشعرت بأن شيئًا ما يدفعني إليها..

 

“هاملت . شكسبير” 

وقعت يدي عليها، لكنني شعرت بشيء يسحبها مني، نعم.. كانت يديه

في الاتجاه الآخر من الرف

 

“أنا آسف..” 

” لا .. لا عليك، لم أكن سأقرأه على كل تفضل..” 

 

أخذ الكتاب من يدي واختفى بين الرفوف في طرفة عين..

 

المشهد الثاني: 

“دوستويفسكي والدموع”

 

لم أرى ذلك الفتى منذ ذلك الحين، كانت الأيام تمضي وتأكل إحداها الأخرى، وروحي.. تنسكب مني على الرصيف

 

هجرني الجميع، دفعة واحدة، الديون تتراكم في حسابي البنكي، ومدير العمل يصرخ في وجهي 

وأبي يلح علي بالزواج 

 

المكتبة من جديد

“صاحب القلب الكسير 

 دوستويفسكي” 

 

كان الفتى جواري تمامًا، جواري وأنا أضع يدي على الكتاب

 

“لن تأخذه هذه المرة..” 

انحرفت يداه إلى الرف العلوي “كائن لا تحتمل خفته” 

قرأت العنوان خلسة متظاهرة بعدم الاهتمام

 

“أنا.. آسف على المرة السابقة” 

“لا بأس..” 

 

كنت أنتظر أن يأخذني في موعد، أن يعرض علي كوب قهوة، أن يفعل أي شيء غير النظرة البلهاء على وجهه

 

خاب أملي، ففاضت دموعي وأغرقت الرواية، واضططرت لشراءها في النهاية لإتلافها

 

وهو.. لم يكن هناك

 

المشهد الثالث: 

“البير كامو والعدم”

 

أصل متأخرة عن موعدي في عيادة الأسنان، يضيع علي دوري

فاتجه للشارع لأضيع وقتًا آخر

 

المكتبة من جديد، و “الطاعون.. البير كامو”

 

هذه المرة انظر حولي، لن أحتمل وجوده مثل مارد المصباح كل ما مددت يدي نحو كتاب

 

لم يكن هناك لحسن الحظ، لكن في اللحظة التي غرقت فيها في القراءة على المقعد جوار النافذة، كان قبالتي .. يبتسم

 

ويلوح لي، تجاهلته، إلى أن عبر الشارع، الرصيف، ثم باب المكتبة

 

لم ألتفت.. كان مجرد عدم

 

المشهد الأخير:

“هتلر والسماء”

 

كان اليوم الأول من أكتوبر، شعرت برغبة ملحة في تناول القهوة والقراءة، مررت إلى المكتبة، ووقعت عيناي على كتاب “كفاحي” 

 

أعلم هتلر، أعلم قساوته، جنونه، جموحه

وشعرت أنني بحاجة إلى ذلك الجموح

 

على المقعد جوار النافذة، مع قهوتي الساخنة، والسماء التي تمطر..

 

جلس جواري كقط يتمسح في أرجل صاحبه، ابتسم

 

” هل تبادليني إياه حين تنتهي منه..” 

“لا”

“لا؟”

“لقد اشتريته..”

“سأشتريه منك بأي ثمن..” 

 

نظرت له من وراء عويناتي، كان وسيمًا.. تلك الوسامة التي تستفز مشاعري، وتجعلني غاضبة 

 

” الثمن؟ دعني أفكر.. خاتم خطبة”

أخرج الخاتم من جيب معطفه الخريفي وكأنه كان هناك منذ زمن، منذ اللحظة الأولى التي طرأت فيها الفكرة باب رأسي

 

لكن كيف؟ 

 

وضعت الخاتم في يدي، وناولته “كفاحي”، توقف المطر..

عدت للمنزل، وأنا أنتظر غدًا جديد، بين رفوف المكتبة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!