مقالات

الشرق الأوسط علي صفيح ساخن

✍️ يوحنا عزمي 

لن تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية ، وهي الضالعة والمتواطئة مع إسرائيل منذ بداية حربها علي غزة ، ممارسة اي ضغط عليها لارجاعها عن مسارها الحالي  الذي بدأت تتحرك فيه صوب جنوب لبنان ، وهو المسار الذي سوف يكون لتداعياته الكارثية القريبة والبعيدة علي الأمن والاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط ما بعدها.

فالمؤشرات الراهنة عن هذا التدهور الأمني الحاد والمتسارع تنذر باخطار وكوارث مستقبلية لا اول لها    ولا آخر.

يفاقم من حدة هذه الأخطار الحالية والمستقبلية    عوامل عربية وإقليمية ودولية عديدة ومتشابكة وان كانت تصب جميعا في النهاية باتجاه مزيد من التصعيد والتأزيم .. يأتي في مقدمة تلك العوامل كلها ، انعدام قدرة الأطراف العربية علي الفعل والتأثير الذي كان يمكن ان يجعل منها رقما مهما حاضرا في الحسابات الإسرائيلية لقرارات الحرب التي تخوضها للعام الثاني علي التوالي وللمرة الأولي في تاريخ الحروب الاسرائيلية العربية وهي الحرب التي طالت لأن دوافعها وأهدافها تذهب ابعد من غزة بكثير .

وقد تؤرخ بها إسرائيل لمرحلة فاصلة من مراحل تاريخها.

كما غابت إيران من الصورة بأسلحة الردع الإستراتيجي العديدة التي تحوزها ولا تتوقف عن تطويرها ، والتي دابت علي التلويح بها واستعراضها باستمرار لردع إسرائيل عن مهاجمتها ، اقول ان إيران غابت وهي من تقود محورا شيعيا ضخما في بعض دول المنطقة العربية ، ومع ذلك تركت أطرافه يواجهون إسرائيل بامكاناتهم الذاتية المحدودة ، فهي ما زالت تتشبث بنظريتها الأمنية التي تقوم علي تجنب الدخول في حروب مباشرة ، وتفضيل نظرية الحرب بالوكالة عليها .. متصورة أنها بذلك توفر علي نفسها كوارث واهوال وخسائر بشرية واقتصادية هي في غني عنها.

كذلك غابت من الصورة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، كما صمتت الصين والتزمت موقف الحياد تجاه طرفي الصراع في الشرق الأوسط ، وهذا هو مستوي دورها ورد فعلها من كل ما يحدث في واحدة من اخطر مناطق الصراع المسلح في العالم وهو الابتعاد وتوخي الحذر وتجنب التورط والانغماس في صراع لا تري مصلحة لها توازي ما سوف يجلبها عليها تورطها فيه.

واما روسيا ، فهي غارقة لاذنيها مع حربها في اوكرانيا ، وهو ما يجعلها تكتفي بالتحذير من عواقب تصعيد الصراع  في الشرق الأوسط مع تأييد الحقوق الفلسطينية علي استحياء .. وهذا هو كل ما تقدر عليه  في ظروفها الحالية .. ولانها ، وهذا مهم ، لا تريد ان تخسر علاقاتها الودية مع إسرائيل ، وهي علاقات راسخة وقديمة ومتجذرة ، وبينهما قاعدة واسعة من التفاهمات والمشاورات والاتصالات المستمرة وعلي اعلي المستويات القيادية في الدولتين واغلبها غير معلنة .. وهو ما تحرص روسيا علي الحفاظ عليه وعدم التفريط فيه رغم كل هذه التوترات والأزمات.

 وهذه حقيقة يجب ألا تغيب عنا إذا ما كان لنا ان نري الواقع الراهن بكل أبعاده وظروفه علي حقيقته وبلا تهويل او مبالغة في ما قد نتوقعه من هذا الطرف الدولي او ذاك .. فكل تلك الأطراف تبحث عن مصالحها اولا .

اما مسألة المبادئ والقيم والاخلاقيات والانسانيات ، فإنها تأتي لاحقة عليها ان كان ما يزال لها مكان في حساب كل طرف لمصالحه.

والخلاصة هي ان إسرائيل أصبحت تنفرد باتخاذ قرارها بالحرب علي كل الجبهات التي تنوي مد حربها إليها ولا يهمها ان تحيل هذه المنطقة الخطيرة من العالم إلي كرة مشتعلة من النار ..

ومن هنا اقول ان خططها للمرحلتين الحالية والمقبلة  تقبل جميع الإحتمالات كما يمكن ان تذهب في كل الإتجاهات .. وهي الخطط التي تنبثق من رهانها علي    ان الظروف والأوضاع العربية والإقليمية والدولية الراهنة مهيئة أمامها الآن كما لم يحدث في اي مرحلة سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي .. 

وهذه الأوضاع العاجزة والمتدهورة هي اكثر ما يحفزها علي مواصلة تحركها علي طريق التصعيد الذي قد يخرج في لحظة ما عن السيطرة ، وليلقي بالمنطقة كلها في جحيم غير مسبوق من العنف والفوضي والخراب.

Related Articles

Back to top button
error: Content is protected !!