ابداعات

اليوم سيكون..؟ 

رحمة خميس 

 

اليوم سيكون الرابع والخمسين على التلاشي من هذا الكون.

لا تستغربون ما أروي، لكنني تلاشيت كبخار الماء اطفو بين السحب، أو بمعنى أصح ستجدني في السحب عندما تمطر فوقك، وتستمتع باللعب تحت نسمات الهواء البارد الذي يتخللك وتتساقط عليك قطرات الماء، وعندما تتصفح هاتفك وتحتاج إلى معلومات لبحثك الهام؛ لتحصل على أعلى درجة علمية.

 

وعندما يتخلل أذنيك ذاك الصوت الذي يحفزك لمواجهة هذا العالم واحتلاله.

ستجدني في كل ما حولك من رفاهيات، وما دون ذلك من إحباط، وما هو أسوأ لك من قلق وسيطرة الخوف.

 

اجتزت هذه المراحل بنجاح، حتى أصبح لي السيطرة التامة على كاملك، وعلى كل جوارحك، أصبح تحت يدي مفتاح الإطاحة بك في كل الأوقات.

 

لكن ليس لدي القدرة على فعلها، 

ليس لأنّي تلاشيت للعدم، وليس لأنّي أظهرت الولاء لهذا الوطن فأطاحوا بي في الفخ.

 

لكنني على كل حال متواجد وأرى الكل، أرى تلك الطفلة التي تلعب وعلى وجنتيها ابتسامة الحياة لوالديها، لقد جائتهم كجائزة على صبرهم خمس سنوات من العناء.

 

وذلك الفتى المنغمس في عمله الجاد؛ ليتناسى حبيبته التي تركته من أجل غيره، وتلك الفتاة التي تعين عليها إعالة أبناء أخيها بعدما توفى في حادث مع زوجته.

 

مازال في هذه الحياة المليئة بالظلم بعضًا من العدل الذي جاء بعد اختبار صبرٍ طويل، ولكنها مليئة على أية حال بهذا الأهوج الذي تطاول على والده بالضرب، وهذه الساحرة التي تُلقي سحر التفريق بين المرء وزوجه، وهذه الأم ذات الطابع النرجسي وتمارس عنفها على صغارها.

 

أعتقد أن القرار الصحيح الذي ترتب عليه هذا التلاشي كان أصوب قرار حدث رُغمًا عني.

 

لم أندم على أي قرار اتخذته تسبب في اختفائي من هذا العالم البشع.

رؤية هذه الحياة الهينة من الخارج وبعد التخلص من أعبائها، إنه لأمر رائع.

 

 

لكن من سيرعى صغيري الذي يبكي الآن؟ هل زوجة أبيه تهتم لأمره كما أطفالها؟ أم تكرهه لأنه صغيري؟ 

هل تهتم أختي المدللة بأمي التي أكل بجسدها المرض اللعين؟ أم تركتها لزوجة أخي التي تحب العالم أجمع عدا أمي؟ 

 

لِمَ أرى قصص العالم عدا حياتي السابقة؟ عدا بيتي؟ لِمَ تم حجبهم عن رؤيتي؟ هل لأن صغيري يتعذب من زوجة أبيه؟ أم أن والدتي تلاشت كنفسي؟ أم تعذبها زوجة أخي حتى الممات؟ 

 

لِمَ أهلك ذاكرتي بهذا التفكير الذي تلاشى منذ مدة طويلة؟ 

أنا الآن تحررت من هذا الهلاك القاتل، لماذا احتاج لمعرفة المزيد الذي معه سأذهب للجحيم؟ 

 

سيكون اليوم… هو آخر لقاء مع ذكرياتي المميتة… مع عقلي الذي دمر جزء كبير من هذا الوطن… مع قلبي الذي أكله الذئب أمامي في أول يوم تلاشي لهذا الوعي.

 

سيكون اليوم… يوم انتهاء المشاعر التي هلكت روحي وأثقلت كاهلي بهموم دنيا هالكة لا محالة.

 

ماذا سيكون اليوم…؟ 

لا أدري.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!