بقلم: أحمد المقدم
على هامش الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، الذي يُوافق الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول، حيث أقرت الأمم المتحدة اعتماد اللغة العربية لغة رسمية للتعامل في عام 1973، يُطرح الحديث عن اللغة العربية في الأندلس.
ويجدر بالذكر أن اللغة العربية ظلت ردحًا طويلًا من الزمن هي اللغة الرسمية في شبه الجزيرة الأيبيرية، التي تشمل حاليًا دولتي إسبانيا والبرتغال، وهما اللتان شكلتا دولة الأندلس منذ الفتح العربي الإسلامي بقيادة القائد العربي موسى بن نصير والقائد الأمازيغي المسلم طارق بن زياد.
وعلى الرغم من أن الأندلس كانت دائمًا الشطر البعيد عن الكتلة العربية الإسلامية الموحدة تحت عرش الخلافتين الأموية والعباسية، ورغم كونها بوتقة انصهرت فيها الأعراق كافة من عرب وعجم، إلا أن اللغة العربية شكلت ملمحًا أساسيًا للحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع الأندلسي المُدَجَّن.
فقد اعتنق أغلب أهل الأندلس الإسلام، وأقروا لغة الإسلام لغةً رسمية، حتى وإن تأثرت ببعض التأثيرات من اللغة اللاتينية وغيرها من اللغات الهندوأوروبية، التي كانت بدورها متأثرة بشكل كبير باللغة العربية.
ونحن، إذ نعتبر أن تعلم اللغات الأوروبية دليل على الانفتاح والثقافة، نجد أن الواقع في عصور الأندلس كان مغايرًا تمامًا، خصوصًا أثناء فترة الحكام الأمويين.
فقد شهدت الأندلس حضارةً ورقيًا وثراءً أدبيًا وعلميًا، كانت اللغة العربية فيها الملمح الأهم.
لقد زخرت الأندلس بعلماء وأدباء وفلاسفة وفقهاء وحكماء، أمثال الزهراوي، الذي نبغ في الطب، وابن رشد، الذي يُعد الفيلسوف الأعظم، إذ كان له الفضل في نقل فلسفة أرسطو وترجمتها إلى شتى أنحاء القارة الأوروبية، وغيرهما.
وقد شهدت قرطبة، عاصمة الأندلس في عهد الأمويين، تقدمًا علميًا وأكاديميًا لافتًا.
فقد بُنيت فيها أول جامعة في أوروبا على مر التاريخ، وكانت اللغة العربية لغة الدراسة فيها.
وفي عصر عبد الرحمن الناصر (912–927 هـ)، أرسل ملك إنجلترا جورج الثاني خطابًا يستعطفه للسماح لابنته بالدراسة في جامعة قرطبة لتتعلم اللغة العربية والعلوم.
فقد كان حديث الطلبة الأوروبيين باللغة العربية كفيلًا بأن يرفع مكانتهم الاجتماعية، وعادوا إلى بلادهم محملين بالمعرفة والعلم من جامعات ومدارس الأندلس.
ولا يزال أثر اللغة العربية على الثقافة واللغة في إسبانيا والبرتغال واضحًا.
فقد تجذرت أربعة آلاف كلمة عربية في اللغة الإسبانية، ومعظمها أسماء، مثل كلمة “زيت” (aceite)، التي تُنطق “أثيتي”، وكلمة “إن شاء الله” (ojalá)، التي تُنطق “أوهالا”، وغيرهما الكثير مما يخلد جذور العربية، التي لم يتمكن الإسبان والبرتغاليون من استئصالها.
وستظل اللغة العربية سيدة اللغات، وسيبقى أثر الحضارة العربية على سائر الحضارات كأثر الشمس على سائر المخلوقات.
وكل عام ولغتنا العربية بخير، ودامت أعظم اللغات وأرقاها وأجلّها.