مقالات

هل الهدف الإستراتيجي للتقارب الخليجي السوري هو إفشال المشروع الإيراني في المنطقة

✍️ يوحنا عزمي 

واضح تماما ان العلاقات الخليجية السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد المتحالف مع إيران ، أخذت تتسارع وتتكثف بصورة قياسية وغير مسبوقة ، واتوقع لها ان تتطور وتصل باطرافها علي الجانبين إلي مدي أبعد وأشمل بكثير مما قد تبدو عليه الآن ، هذا إذا بقيت الأوضاع في دمشق علي حالها ولم تتغير .. 

يشهد علي ذلك هذه السلسلة من الزيارات المتبادلة والمتلاحقة رفيعة المستوي والتي كان آخرها منذ يومين من قبل وزراء الخارجية والدفاع والمخابرات في الحكومة السورية المؤقتة إلي الرياض والأجواء الودية للغاية التي رافقتها.

وفي تصوري ان هناك الكثير مما سوف يتم التحاور بشأنه بين الطرفين السعودي والسوري داخل الكواليس المغلقة لهذه المباحثات المهمة في توقيتها وفي مستوي القائمين بها .. فهي ليست زيارة بروتوكولية عادية للمجاملة والتعارف بقدر ما هي زيارة عمل من نوع خاص جداً.

وهذا هو فهمي وتقييمي لها ففي توجيه الدعوة رسميا من الرياض إلي وزراء في حكومة تصريف أعمال مؤقتة بهذه السرعة المذهلة ، ودون إنتظار حتي تستقر الأوضاع في سوريا وتكشف عن الوجه الحقيقي لما يجري هناك ، والاستجابة الفورية لها في دمشق بتلبيتها بإرسال وفد من هؤلاء الوزراء المهمين الثلاثة ، هي مؤشر بالغ الأهمية والمغزي بحد ذاته .. وسوف تليها قطعا زيارات مماثلة لعواصم خليجية أخري وبالأخص لدول كالكويت وقطر والبحرين. 

وفي رأيي ان الهدف الإستراتيجي الأول لهذا التقارب الخليجي السوري هو إفشال المشروع الإيراني في المنطقة العربية واسقاطه وهو الذي يمر الآن باصعب مراحله ، وذلك بمواصلة احتوائه وتطويقه وتحجيمه ضمن الحدود التي لن يعود يشكل بعدها تهديدا ذا اهمية لاي من دول المنطقة الخليجية ، وهو ما يكاد يبدو ان هناك توافق خليجي عام عليه ، وهناك من الشواهد والمؤشرات ما يدعم هذا التوجه ويؤكده ، ومن ذلك زيارة امين عام مجلس التعاون الخليجي إلي دمشق بصحبة وزير خارجية الكويت حاملا معه رسالة دعم مهمة من دول المجلس إلي القيادة السورية الجديدة في بادرة لم تكن متوقعة في هذا التوقيت المبكر.

ولهذا أتصور ان الدول الخليجية ، والسعودية بالذات ، باتت تعول كثيرا علي أهمية حرب إسرائيل المتوقعة بين لحظة واخري ، علي الحوثيين في اليمن ، وذلك من منطلق ان اجتثاث هذه الأذرع الإيرانية القوية وإزالة خطرها علي أمن الدول الخليجية حتي وان تم ذلك بواسطة اسرائيل ، سوف يكون له مردوده الأمني الايجابي المباشر بالنسبة لها كدول خليجية تقع كلها في مرمي هذا التهديد الحوثي وتعجز عن مواجهته وحدها ، فضلا عن ان هزيمة الحوثيين في اليمن سوف تضع فصل الختام للمشروع الإيراني في المنطقة العربية ويرغم إيران علي التراجع والانزواء وراء حدودها في انتظار حرب قد تشنها إسرائيل عليها لتدمير برنامجها النووي ومنشآتها النفطية إلي جانب أهداف إستراتيجية حيوية اخري قد لا تكون واضحة كلها لنا الآن .. 

وهو السيناريو الذي سوف يكون الأخطر والاعنف والأهم في نتائجه من بين كل ما سبق من سيناريوهات خلال الفترة الأخيرة وأتصور أنه سوف يكون لدول الخليج دور محوري في هذا كله بما سوف تقدمه له من دعم مادي كبير ، يبقي أغلبه غير معلن لحساسيته السياسية الكبيرة .. وتخوفا من عواقبه الوخيمة المحتملة في الداخل الخليجي نفسه حيث الطوائف الشيعية الداعمة لإيران في العديد من الدول الخليجية كالكويت والبحرين.

ما يحدث حاليا في منطقة الشرق الأوسط خطير بل وخطير جداً فالحلقات في هذا المخطط الدولي الكبير متشابكة مع بعضها بشكل لم يسبق له مثيل ، والمصالح والأهداف متداخلة هي الأخري بصورة يصعب فصلها عن بعضها ، والفاعلون منهم من نعرفه جيداً ، ومنهم من يلعبون أدوارهم في الخفاء او من وراء ستار وان لم يكن من الصعب تخمينهم وتحديد هوياتهم ، واللعبة تجري علي قدم وساق بإخراج منسق ، وبتوزيع متفق عليه للأدوار بين الفاعلين الرئيسيين والفاعلين المساندين او الداعمين لهم ، وتظل أمريكا هي الراعي الأكبر لهذا كله باجهزة مخابراتها الشيطانية التي لا تكف عن التآمر علي هذه المنطقة من العالم لإشاعة الفوضي فيها وتجد في ذلك الضمان الاقوي لمصالحها ولأمن إسرائيل وليس لأمن شركائها الاقليميين الآخرين كما تزعم لابتزازهم .

كما ان الاستعانة ببعض جماعات الإرهاب الدولي كفزاعة لدول المنطقة او لبعضها علي الاقل ، هي ايضا واحدة من أدواتها المهمة التي تستخدمها لتنفيذ مخططها حتي وان حاولت ان تنفي ذلك عن نفسها بتظاهرها بمحاربة الإرهاب وتنظيم داعش بشكل خاص وذلك من خلال التحالف الدولي الذي تقوده ضده منذ سنوات ولا تزال في كل من العراق وسوريا ، وعلينا ألا نصدق مزاعمها علي إطلاقها لأنه ليس كل ما تقوله او تزعمه صحيح. ولأن الكثير منه ليس اكثر من دعايات وفي كل الأحوال ، فإننا سوف نبقي لبعض الوقت أمام سيناريو إقليمي ممتد ، وأمام تحولات جيوسياسية مهمة بدأت وقطعت شوطا كبيرا وسوف تستمر ..

وتبقي نهايتها رهنا بمتغيرات الظروف وكذلك بمدي تحقق الأهداف الإستراتيجية التي تعمل من أجلها كل تلك الأجندات الإقليمية والدولية الخطيرة وما يجري في سوريا حاليا هو حلقة في هذا المخطط الإستراتيجي الكبير وفي إنتظار ما سوف تأتي به الأيام المقبلة من أحداث وتطورات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!