آية عبده أحمد
في رحم الغيب كنتُ آنذاك، بدأتْ أحداث هذه القصة منذ أمدٍ بعيد، حكاها لي والداي، لقد كانت مأساة بلاد كاملة، لم يبقَ أحدٌ إلا وطالته تلك الكارثة، إنها نيران الحرب في أرض الزيتون، الأرض التي كان يتحدث عن مجدها أجدادي الذين رحلوا.
حين عَلَتْ أولى صرخاتي وجدتني في بقايا منزلٍ متهالك، فقد نال منّا العدو، وغلبتنا الحيلة، وقست علينا الحياة كثيرًا، رغم ذلك قابلناها بصبرِ يعقوب، عازمين أن ريح يوسف ستأتي حاملة البشارة ذات يوم.
طال العهد والانتظار، إلا أننا لم نيأس قط، واجهنا الموت آلاف المرات، وشاهدنا أحباءنا يموتون، حتى أن بعضهم من فرط الحزن حين موتهم أرادوا أن يحتضنوا كل البلاد، فتشتت كل عضو منهم إلى مكان بعيد، هكذا حكى لي والدي.
أخبرتني أمي أن بلادنا تسمى أرض الزيتون، لكني لم أتذوقه من قبل، وحدثني معلمٌ طاعن في السن أن التعليم مهم؛ لتتقدم الأمم، وأخذنا وقتًا طويلًا؛ ليشرح لي عن بعض ما يعرف، رأيتُ أناسًا يبكون في الشوارع، وآخرين يتساقطون كأوراق الشجر من فرط الحسرة على الجذع الذي كان يسندهم، والفروع التي كانت تبثّ في أوصالهم الحياة.
ها قد مرّت كل السنين العِجاف، وجاء البشير يحمل الخبر الذي كان بمثابة أسطورة، توقف إطلاق النار، سنتعافى أخيرًا من الخوف الذي بنى بيتًا بداخلنا، سيعود مجدنا، أذكر أنني حين كنتُ طفلًا صغيرًا، جاءت فتاة شابة تعمل في الإعلام والصحافة، فأعطتني معطفًا يشبه الذي يرتديه الأبطال، وهي التي علمتني قراءة الاسم المكتوب عليه “سوبرمان”.
منذ ذلك الحين وأنا أريد أن أصبح بطلًا؛ لأحرر بلادي من الظلم والطغاة؛ لأوقف الحرب، وأُسكِت أصوات البنادق والأسلحة، حتى لا يخاف الأطفال مثلي، ويطمئن الجميع، حتى ينتشر السلام، وها أنا اليوم بمعطفي أجوب الشوارع التي استقبلت الخبر بحفاوة ليس لها مثيل، لقد أشرقت الشمس بعد أعوام طويلة منذ آخر غروب لها.