محمد الشحات “الباهو”
قليل من الرمال تتبعثر يمينًا ويسارًا على أرضية فناء المدرسة أو الغابة المستوحشة، ربما لو تعثرت ساقيك وسقطت، لشكلت الصدمات في قدميك لوحة فنية من الشخبطة الدموية، ولقهقهت صغار العناكب المتضورة جوعًا؛ لقدوم الطعام. خدوش وقطع من الجلد المتهالك، وقطرات من الدماء، هي بالتأكيد فطور لذيذ لتلك الحشرات المتخذة من جحور ملعب المدرسة مسكنًا لها.
قطع زجاجية مدببة، أمد بصيرتي، طفل في الرابعة يلهو ببراءة نقية، كأن تلك القطع الزجاجية، مصائد وشراك في الأدغال؛ لاصطياد متوحشًا ما؟ اي بيئة تلك تنصب شراكًا لصغير يضحك ببلاهة وراء الفراشات.
قال الراوي: ” لن أطيل عليكم في هذا المكان، إنه بالفعل أدغال متوحشة يقودها جلادي أرواح، متفنني في قبض روح السعادة، وتحطيم الآمال المتطايرة في الروح”.
أكمل الراوي: ” تجولت بين الفناء، وضعت اصبعي؛ لأسد فمي، لا أستطيع التحمل، كأنه بيض فاسد مدفون هنا منذ عقود، لم أبالي فقط، أكملت السير، برهة، نسيت أن أحدثكم، أنا جني من عالم سليمان الحكيم، اهدأ! لا تفزع يا صديقي، أعبد الله بالتأكيد.
أكملت السير، سمعت صوت الجرس، آه! سرحت في خيالي، تلك الصوت طابعه رقيق، يذكرني بذكريات حزينة، ولكن لا تهتم، اكملت السير، ناظرًا إلى تلك الوجوه الواجمة، أشعر كأنهم أيتام، أو نساء أرامل، أو منتظري عقاب متوحش على الأرجح، لا طالبي علم.
رن الجرس مرة أخرى معلنًا عن تحرك الطلاب، لست أدرى إلى أين، نعم إلى فصولهم، طالب فكيه الحديث قال: إلى السجن، مدرسة كأدغال، وفصل كسجن، ومعلم كجلاد،…
في الفصل: شبابيك زجاجية ذات شروخ مكسورة، ومصابيح مطفئة، وسبورة تقفشت من قطع الطباشير الجيرية، هنا المارد يقف شامخًا، طلاب كأنهم عقلة أصبعه، بالتأكيد هم ليسوا في تلك الحجم، كأنهم من الخوف انكمشوا، بأعين جاحظة كأن النار تخرج من عينيه، بنبرة حادة حديثه، يحي طلابه، يسأل هذا، وبعصاه الغليظة يضرب ذاك، وبيده الصلبة يروع هذا، وبلسانه الواشي يسب هذا…….
سجن مساجينه تلاميذ، وسجانه معلم، يخرجوا من بيوتهم كل يوم ليس للتعلم حاشى لله! بل لأداء عقاب محتوم لا مفر منه.
طفلة بحسنة على وجنتيها، بشفاه وردية، وابتسامة كبدر مستدير، رموش سوداء كثيفة، وجه وردي مشرق، جفن لعين سوداء براقة، تسرح في الطبيعة الخلابة، أشعر أن السماء تهدي لها وردة؛ لتحضنها، على ملابسها المدرسية اسم مارية، سرحت لبرهة هذا الاسم له موضع في قلبي، أن أضحي بحياتي من أجله دون رمشة جفن، أو إشارة من العصب السمبثاوي بالخوف أو الرهبة.
فتح هذا السجان صوته على تلك الملاك، لتنبعث منه كلمات متحجرة قاسية، ويخرج سلاحه من يده، عصاه الغليظة يرفعها في السماء كأنه محارب يتباهى بسيفه مبارزًا، قبل أن تسقط على تلك الفتاة، النصف الآخر من القمر تلك، صحت قائلًا: باسم سليمان الحكيم، ألقى عليك تعاويذ كن فيكون……”
سقط هذا القاسي، جلاد العذاب، إلى طفل في التاسعة على الأقل، عقله ما زال مدركًا.
عاش عذاب أقرانه من الأطفال، رهبتهم، أجسادهم الدامية من ألم العصا، يحملوا في قلوبهم خوف دائم، وجبن! يُضرب بعصا جلاد شبيه له هنا، وجلاد آخر يجلده بإهانة هناك.
قال الراوي: تلك الأشبال، ينبغي أن تكون العزة في جباههم شامخة، أن يزين الحب نبضهم، وأن يسري في عروقهم حب الفراشات، وأي فراشات سوى قرطاس من العلم، ووطن وعائلة تضمها حبيبة.