✍️ يوحنا عزمي
أزمة توزيع الأسمدة في قنا .. تخبط إداري يدفع المزارعين إلى السوق السوداء.
موسم شتوي بلا أسمدة .. والمزارعون يدفعون الثمن وقرارات المحافظ حبر على ورق .
تواجه محافظة قنا أزمة حادة في توفير الأسمدة المدعومة للمزارعين في ظل ما وصفه العديد من الفلاحين بـ”التخبط الإداري والرعونة” داخل مديرية الزراعة ، مما أدى إلى تأخر وصول الكميات المطلوبة رغم دفع المزارعين لثمن السماد مقدمًا منذ أكثر من شهرين.
أرقام صادمة .. ونقص حاد في الإمدادات
وفقًا للبيانات الرسمية، تبلغ الاحتياجات السمادية لمحافظة قنا خلال الموسم الشتوي 2024-2025 نحو 44,929 طنًا من سماد اليوريا، إلا أن إجمالي ما وصل إلى المحافظة منذ بداية الموسم لم يتجاوز 10,000 طن فقط ، وهو ما يعكس فجوة كبيرة في التوزيع قد تنعكس بشكل كارثي على المحاصيل الزراعية الاستراتيجية التي توليها الدولة أهمية خاصة.
وفي ظل هذا العجز الواضح ، اضطر العديد من المزارعين إلى اللجوء إلى السوق السوداء لشراء الأسمدة بأسعار مضاعفة ، مما يهدد بزيادة تكاليف الإنتاج الزراعي وإضعاف العائد الاقتصادي للمزارعين.
قرارات متخبطة تزيد الأزمة تعقيدًا
تفاقمت الأزمة بعد صدور قرار من وكيل وزارة الزراعة بقنا، أبو العباس عبد الفتاح البدري ، بتوفير 70% فقط من احتياجات المزارعين من الأسمدة في الجمعيات الزراعية.
يُذكر أن بعض هذه الجمعيات تعاني من نقص الموظفين وعدم وجود مجالس إدارة، مما يدفع الفلاحين إلى البحث عن جمعيات بديلة للحصول على احتياجاتهم ، وهو ما قوبل بتشديد غير مبرر عبر قرار اللجنة التنسيقية الأخير ، الذي يقضي بصرف الأسمدة لكل مزارع فقط من الجمعية التابعة له متجاهلًا آلية “كارت الفلاح” التي تسمح بالصرف من أي جمعية داخل المحافظة.
تداخل المواسم .. أزمة متكررة دون حلول
واحدة من المشكلات الرئيسية التي يعاني منها مزارعو قنا منذ أكثر من خمس سنوات ، هي تداخل مواسم توزيع الأسمدة ، حيث تتأخر شحنات السماد المخصصة للموسم الصيفي حتى تصل في الموسم الشتوي، ما يخلق حالة من الفوضى والضغط على الجمعيات الزراعية. وقد أدى هذا التأخير إلى احتكاكات بين المزارعين وموظفي الجمعيات وصلت إلى حد العنف ، كما حدث في جمعية الحجيرات ، حيث تعرض أحد مندوبي الصرف لإطلاق نار وأصيب في قدمه نتيجة اشتباكات مع المزارعين الغاضبين.
شبهات فساد .. واستغلال أموال المزارعين
إلى جانب الأزمة الإدارية ، يواجه مجلس إدارة الجمعية المركزية بقنا اتهامات بإهدار المال العام، حيث يتم تحصيل مبلغ 5 جنيهات عن كل كيس سماد تحت بند “مديونيات”، وهي مديونيات ناجمة عن سوء الادارة والفساد في بعض الجمعيات ولا علاقة للمزارع بتلك المديونيات.
الأغرب أن ما يتم تحصيله تحت بند المديونيات يتم صرفه كـ”حوافز ومكافآت” لأعضاء مجلس الإدارة والعاملين ، بدلًا من استخدامها لدعم تلك الجمعيات الزراعية المديونة حتى تضمن وصول الأسمدة إلى مستحقيها.
وكيل وزارة متخبط .. قرارات خاطئة وسجل وظيفي مثير للجدل
يضع العديد من المزارعين ومراقبي القطاع الزراعي في قنا اللوم على وكيل الوزارة الحالي ، أبو العباس عبد الفتاح البدري، الذي يقولون إنه يرسل بيانات غير صحيحة إلى وزارة الزراعة بشأن كميات الأسمدة التي وصلت إلى المحافظة.
كما يشير البعض إلى سجله الوظيفي ، وهو ما يطرح تساؤلات حول كيفية تكليفه بهذا المنصب الحساس ، خاصة بعد أن أنهى وكيل وزارة الزراعة بالأقصر تكليفه السابق كمدير عام للتعاون الزراعي بالمحافظة بسبب ضعف أدائه وتخبطه الإداري.
لجنة التفتيش محاصرة .. قرارات المحافظ بلا أنياب والجمعية المركزية لا تحترمها .
رغم صدور قرار المحافظ بفحص أموال الجمعية المركزية بقنا والجمعيات التابعة لها ، إلا أن التنفيذ لم ير النور حتى اللحظة ، وكأن القرار مجرد “حبر على ورق” لا أكثر. فحتى الآن ، لم تتمكن اللجنة المكلفة بالتفتيش من الحصول على أي مستندات ، وسط تعنت واضح من الجمعية المركزية وبعض أعضاء مجلس إدارتها الذين يرفضون التعاون.
فهل سيقف المحافظ متفرجاً على هذا التحدي الصارخ لقراراته ، أم أنه سيتخذ إجراءات حقيقية تفرض احترامه وتنفيذ سلطته وتكشف المستور ؟
إلى متى يستمر التجاهل الرسمي؟
رغم خطورة الأزمة وتأثيرها المباشر على الأمن الغذائي المصري ، يظل محافظ قنا صامتاً حيال ما يحدث في محافظته ، بينما يدفع المزارعون الثمن وحدهم. فهل تتحرك الجهات المعنية بأمن المجتمع لحل هذه الكارثة قبل فوات الأوان، أم أن المزارعين سيُتركون لمصيرهم ، بين قرارات عشوائية وسوق سوداء لا ترحم؟