مقالات

حروب بلا منطق : الحصيلة الدموية للحرب الأوكرانية

✍️ يوحنا عزمي 

الحروب العدوانية غير المبررة التي تفرض نفسها علي الشعوب ولا يكون لهما ذنب فيها ، وتضطر مكرهة إلي خوضها لتدافع عن نفسها ، هي حروب كثيرا ما تكون تكاليفها وخسائرها الإنسانية والعمرانية والإقتصادية باهظة إلي ابعد حد .. وتكفي حرب إسرائيل العدوانية الأخيرة علي غزة لتقدم لنا احد اسوأ وابشع النماذج لهذه النوعية المدمرة من الحروب.

اما الحروب التي يكون للخيارات الدبلوماسية اللينة باساليبها التوافقية وبادواتها التفاوضية القائمة في أساسها علي مبدأ التنازلات المتبادلة والحلول الوسط ، دور في تجنبها ومنع نشوبها وتلافي خسائرها واضرارها فإن عدم إستخدام المسئولين في أعلي دوائر إتخاذ القرار لها ، لهذه الأدوات اللينة او حتي اعطائها فرصة كافية من الوقت والظروف ، هو ما يؤدي إلي التعجيل بانفجارها وخروج مجرياتها في أحيان كثيرة عن السيطرة ولتصبح نهاياتها رهنا بمتغيرات الظروف .. وهي النموذج الشائع والمعروف لمعظم الحروب.

أقول ذلك مع قرب التوصل إلي تسوية أمريكية روسية ، كجزء من صفقة سياسية شاملة بينهما ، للحرب الأوكرانية تنهيها وتغلق ملفها ، وتضع أسسا لحل معضلتها سوف تكون اوكرانيا هي الخاسر الأكبر فيها ، وسوف ترغم فيها تحت الضغط الأمريكي للاذعان والقبول لما ظلت ترفضه طيلة سنوات هذه الحرب التي تعتبر واحدة من اكثر حروب الاستنزاف تكلفة في فترة
ما بعد الحرب الباردة .. فهي الحرب التي ضاعت فيها حياة مئات الآلاف من خيرة شباب البلدين ، ودمرت الكثير فيهما وبالأخص في أوكرانيا التي كانت أحدي اكثر الدول الأوروبية ثراء ووفرة في مواردها الإقتصادية والطبيعية.

هذا فضلا عن الزلزال الإقتصادي الذي احدثته هذه الحرب للعالم بأسره وكلفه الكثير مما كان في غني عنه لو لم يكن القرار في هذه الحرب العبثية الفاشلة هو قرار الرئيسين الروسي والاوكراني وحدهما .. ولو لم يكن هذا هو الواقع ، لما حدث ما حدث.

ولا اشك في ان الرئيسين بوتين وزيلينسكي يقفان الآن في مواجهة بعضهما يراجعان النتائج الهزيلة التي حصلا عليها من هذه الحرب مقارنة بما تكلفاه فيها من خسائر بشرية واقتصادية تفوق الحصر .. ومن ان هذه الحرب كان يمكن ان تطول وتمتد لسنوات اخري عديدة لتحدث لهما المزيد من الدمار والخراب مع تزايد تورطهما فيها .. ولا اعرف كيف سيخرج زيلينسكي علي شعبه ليقنعه بالاذعان للأمر الواقع الجديد مع خسارة الأراضي وتقديم كل هذه التنازلات التي تقترب باوكرانيا من نقطة الاستسلام لروسيا تحت الضغط الأمريكي وهو آخر ما كان يتصوره الرئيس الأوكراني ويبني حساباته وتوقعاته عليه.

بل ان حليفه الأمريكي السابق يطالبه الآن وبالحاح متزايد عليه بإعادة تسديد كافة ما ما دفعه له في هذه الحرب والذي يصل تقديره له إلي نحو خمسمائة مليار دولار .. وقد يكون هذا الطلب الأمريكي من أوكرانيا هو اغرب واعجب ما في الأمر كله .. لأن المطالبات والتعويضات تكون عادة بين الخصوم والأعداء وليست بين الشركاء والحلفاء .. ولكنها امريكا مع أحوال رؤسائها المتقلبة من أقصي اليمين إلي اقصي اليسار.

وهكذا تخسر الشعوب دم قلبها ويتغير مسار حياتها عندما يخطئ القادة بتصورهم ان الحل لمشكلات دولهم الأمنية هو بالحروب وبالحماس المفتعل المصاحب لها من قبل الإعلام الرسمي للدولة ، ومع الوقت يكتشف هؤلاء القادة انفسهم حجم الجريمة التي كانوا وراءها واحد اكبر اسبابها وان لم يجرؤا علي مصارحة شعوبهم بذلك خوفا من انقلابها عليهم وهم من يدفعون ثمن الخراب الهائل الذي احدثته هذه الحرب لهم في حياتهم دون
ان يجنوا نتيجة إيجابية واحدة من ورائها.

هذه واحدة من اكثر الحروب حماقة وتهورا وغباء في التاريخ المعاصر ولولا مجئ ترامب إلي البيت الأبيض بفعل اقدار لا دخل لبوتين او لزيلينسكي فيها ، لتضاعف الدمار ولكنا امام نهاية مفتوحة لهذه الحرب الأوروبية المأساوية والتي كان من الممكن ان تشعل حربا نووية عالمية ثالثة تبيد العالم كله وليس روسيا واوكرانيا وحدهما .. ولنسمع الآن ما يقوله ترامب عن زيلينسكي والذي هو علي العكس تماما مما كان يقوله بايدن عنه وهو ما سوف يضاعف من نقمة شعبه عليه ويدفعه إلي الإطاحة به للتخلص منه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!