مقالات

تقارب ترامب وبوتين وتأثير ذلك على العلاقات الأمريكية الأوروبية والسيناريوهات المحتملة في الحرب الأوكرانية

✍️ يوحنا عزمي 

يشهد النظام الدولي اليوم تقلبات كبيرة في السياسة الدولية ويعد تقارب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحد أبرز الظواهر التي كان لها تأثير كبير على العلاقات الدولية ، خاصة بين الولايات المتحدة وأوروبا. 

إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تحت إدارة ترامب والتي ركزت في كثير من الأحيان على تحسين العلاقات مع روسيا ، أثارت جدلاً واسعًا وأثرت بشكل كبير على توازن القوى في الساحة الدولية.

في هذا المقال ، سنتناول أسباب التقارب بين ترامب وبوتين ، تأثير هذا التقارب على العلاقات الأمريكية الأوروبية ، بالإضافة إلى السيناريوهات المحتملة التي قد تنشأ جراء هذا التقارب في سياق الحرب الأوكرانية.

أولاً : تقارب ترامب وبوتين : الأسباب والدوافع

ـ السياسة الأمريكية تحت إدارة ترامب : منذ تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة في 2017 ، أظهرت سياسته الخارجية ميولًا واضحة نحو تحسين العلاقات مع روسيا. هذا التقارب بين ترامب وبوتين كان يشمل عدة أبعاد :

– القلق من التهديد الصيني : كانت إدارة ترامب أكثر اهتمامًا بمواجهة التحديات التي فرضتها الصين على المستوى الدولي ، خاصة في المجالات الاقتصادية والعسكرية. في هذا السياق ، سعت إدارة ترامب إلى بناء علاقة أكثر تنسيقًا مع روسيا ، بدلاً من فرض المزيد من العزلة عليها ، على الرغم من الأزمة الأوكرانية.

– السياسة الاقتصادية : ترامب كان يفضل تخفيض حدة التوترات مع موسكو في مجالات الاقتصاد والطاقة. كان يعتقد أن ذلك قد يساهم في تحسين فرص التجارة الأمريكية مع روسيا ، وخاصة في قطاع الطاقة. 

كما كان يرغب في تقليل التوترات التي أثرت على صادرات الغاز الأمريكي إلى أوروبا.

– انتقادات للحلف الأطلسي ( الناتو ) : كان ترامب يوجه انتقادات مستمرة لحلف الناتو ، متهماً دوله بعدم الوفاء بالتزاماتها المالية في الإنفاق الدفاعي. هذه المواقف كانت تشير إلى أن ترامب كان يفضل تقليل النفوذ الأمريكي في القارة الأوروبية والتركيز أكثر على مصالح الولايات المتحدة بعيدًا عن التحالفات التقليدية.

 ـ بوتين وروسيا : أما بالنسبة لروسيا ، فقد كانت إدارة بوتين تبحث عن فرصة لتوسيع نفوذها وتوجيه رسائل قوة للعالم ، وكان التقارب مع ترامب بمثابة فرصة إستراتيجية لتحقيق هذا الهدف.

– موقف روسيا من الناتو والإتحاد الأوروبي : كانت روسيا تشعر بتصاعد التهديد من حلف الناتو الذي كان يتوسع باتجاه الشرق بعد انهيار الإتحاد السوفيتي ، وهو ما دفعها إلى البحث عن حلفاء جدد ، من بينهم الولايات المتحدة في ظل حكم ترامب.

– الانتخابات الأمريكية 2016 : شهدت الانتخابات الأمريكية عام 2016 تدخلاً روسيًا ، وهو ما ألقى بظلاله على العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ، لكنه في الوقت نفسه أتاح لبوتين إضعاف العلاقة التقليدية بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.

ثانياً : تأثير التقارب الأمريكي الروسي على العلاقات الأمريكية الأوروبية.

ـ توتر العلاقات عبر الأطلسي : أدى تقارب ترامب وبوتين إلى حدوث تحول كبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا. ففي الوقت الذي كان الإتحاد الأوروبي يعتمد بشكل تقليدي على الولايات المتحدة لحمايته من التهديدات الروسية ، كان ترامب يشكك في هذا التوجه.

– التباين في المواقف : كانت العديد من دول الإتحاد الأوروبي تراقب هذا التقارب بين ترامب وبوتين بحذر شديد. على سبيل المثال ، ألمانيا وفرنسا كانتا تعتبران أن سياسة الاحتواء تجاه روسيا هي الطريقة المثلى للتعامل مع روسيا ، بينما كانت إدارة ترامب تميل إلى تبني سياسة أكثر مرونة تجاه موسكو.

– أزمة الطاقة الأوروبية : سعت روسيا تحت إدارة بوتين إلى تعزيز نفوذها في قطاع الطاقة الأوروبي ، وخاصة عبر مشروع نورد ستريم 2 ، الذي يعد خطًا مباشرًا لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق. وقد تعرضت هذه الخطط لانتقادات من دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، لكن ترامب كان يبدو أقل معارضة لهذا المشروع مقارنة بسياسات سابقة.

ـ التشكيك في تحالفات الناتو : دائمًا ما كانت العلاقات الأمريكية الأوروبية تتأثر بالتوجهات الأمريكية في ملف الناتو. في حين أن ترامب كان يوجه انتقادات دائمة لحلف الناتو ويشجع الدول الأوروبية على تحمل مزيد من المسؤولية الدفاعية ، فإن أوروبا كانت في كثير من الأحيان قلقة من تراجع الدور الأمريكي في ضمان الأمن الأوروبي في حال حدوث تهديدات من روسيا.

ثالثاً : تأثير التقارب الروسي الأمريكي على الحرب الأوكرانية

ـ مواقف متباينة حول الحرب الأوكرانية : إن الحرب الأوكرانية التي بدأت في 2014 كان لها تأثير كبير على التقارب بين ترامب وبوتين ، خاصة بعد الضم غير الشرعي لشبه جزيرة القرم من قبل روسيا.

– ترامب وروسيا : كان ترامب في بداية رئاسته يُظهر دعمًا قويًا لبوتين. في المقابل ، كان يشكك في الحكمة الأمريكية في التصعيد ضد روسيا بشأن النزاع الأوكراني. هذا التوجه جعل بعض الدول الأوروبية تشعر بالحيرة ، حيث كانت تعتمد على واشنطن في فرض العقوبات على روسيا بسبب أفعالها في أوكرانيا.

– الإتحاد الأوروبي والحرب الأوكرانية : بينما كان الإتحاد الأوروبي يشدد على فرض العقوبات ضد روسيا بسبب أعمالها العدوانية في أوكرانيا كان ترامب يفضل التفاوض مع موسكو بشكل أكثر مرونة ، ما وضعه في مواجهة مع الحلفاء الأوروبيين.

السيناريوهات المحتملة للحرب الأوكرانية

– سيناريو تصعيد الحرب : بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض. قد يغير الإستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا ، ويعتمد سياسة أكثر مرونة تجاه بوتين. هذا قد يؤدي إلى تصعيد الحرب الأوكرانية ، حيث قد تفضل روسيا استغلال هذه الفجوة لتعزيز سيطرتها على الأراضي الأوكرانية.

– سيناريو الدبلوماسية مع روسيا : من جهة أخرى ، إذا استمر جو بايدن في رئاسة الولايات المتحدة ، فكان من المرجح أن تستمر الضغوط على روسيا ، سواء من خلال فرض العقوبات الاقتصادية أو من خلال دعم أوكرانيا في المجال العسكري. ومع ذلك ، تبقى إمكانية الحلول الدبلوماسية قائمة في حال توافق الدول الكبرى على تسوية تُوقف التصعيد.

– سيناريو الإنسحاب الأمريكي من الحرب الأوكرانية : في حال كانت هناك ضغوط داخلية في الولايات المتحدة لتقليص الدور الأمريكي في النزاعات الأجنبية، قد تنسحب واشنطن بشكل أكبر من الأزمة الأوكرانية، ما قد يؤدي إلى زيادة التدخل الروسي.

الخاتمة : التقارب بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين شكل نقطة تحول في السياسة الدولية ، وفتح الباب أمام تحديات كبيرة للعلاقات الأمريكية الأوروبية. بينما تميل أوروبا إلى الحفاظ على سياسات الاحتواء تجاه روسيا إلا أن ترامب كان يميل إلى انتهاج سياسة مرنة معها. 

وبالنسبة للحرب الأوكرانية ، فإن التحديات والسيناريوهات المحتملة ستظل تعتمد على مواقف الولايات المتحدة وروسيا في المرحلة القادمة، وقد يكون لهذه المواقف تأثير عميق على الأمن الأوروبي وأمن حلف الناتو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!